أول الكلام  : في "اليوبيل" الفضي لصدى المشرق

  • article

في مثل هذا الشهر تبلغ صدى المشرق عامها الخامس والعشرين، وقد شكلت فيها صدى المشرق صدى لِقيَم الشرق في حداثة الغرب، وبدأت جهداً من ضعفٍ من أجل جالية قوية، مطلِقةً صوتاً صادحاً في بريةِ غربةٍ صارت وطناً للأبناء والأحفاد. كان لا بد من ذاكرة تحفظ تاريخاً قد لا تعيرُه أقلام الشركات الإعلاميةُ الكبرى اهتماماً، ثم كان أن انبرى رهط من المهاجرين الأوائل بوصل ذاكرة الوطن القابع خلف المحيطات والبحار، ولا يفارقه حنين المغترب الذي لا ينفك ينشد عودةً لا تتيسر، وأحلاماً تدغدغ مشاعره دون أن تقترب من مشاريع يقظته.

 تولت صفحات صدى المشرق الإتِّشاحَ بألوانِ توجهات وأذواق واهتمامات أبناء الجاليات العربية، فكانت عدسة مصوريها وأزرار حواسيب كتَّابها تتنوع فكراً وسياسة واجتماعاً وتربية وتاريخاً، دون تخلّيها عن الأصالة ولا تنازلِها عن الثوابت الأخلاقية والقيَمية، وبقيت على ريبة وحذر من التحريض الطائفي أو التفريق المذهبي او العصبية الدينية. فهنأت المسيحي بأعياده ونقلت أخبار قداديسه واحتفالات كنائسه، كما باركت للمسلم أعياده وحررت أخبار أنشطة مساجده وجمعياته ومؤسساته، وعرَّفت القراء على إنجازات الشخصيات العربية المهجرية في شتى الميادين، واحتفلَت بنجاحات الجالية، واتَّشحت بالسواد في أحزانها وملماتها، سيما ما تعرض له المصلّون في المسجد الكبير في كيبيك…

صدى المشرق خاضت أيضاً غمار العمل السياسي بامتياز، فقابلت المرشحين العربِيّي الأصل، سواء المرشحين للمجالس البلدية أو النيابية المحلية والحكومية (الفدرالية)، وشكلت جسر تواصل يعبرونه إلى ميدان التعارف مع الجالية والناشطين في وسطها. كما واكبت وغطَّت معظم الفعاليات الجاليوية الثقافية والفنية والتربوية في جهد يأبى أن ينشر ما نشره غيره، أو يكرر ما حرره غيره، أو يعيد طباعة ما تداولته وسائلُ الإعلام معظمُها في المشرق أو المغرب. فالمهنية تقتضي الحرفية، والحرفية تقتضي التزاماً بعهد أخلاقي يقطعه الاعلامي على نفسه: أن يكون مؤتمَناً على عقول القراء، يحترم ذكاءهم ويقدِّر أوقاتهم، فيبتعد عن الكلام الرخيص والمواقف المبتذلة والترويج لبضاعة كاسدة او معلومات تفتقد المصداقية، ويجهد كي يوصل الحقيقة كما هي، دون أن يُملي عليها شروطه المسبقة – كما هو دَيدن الإعلام المأجور والأقلام المرتزَقة التي تقطر من حبر وليِّ نعمتها وتضرب بسيفه عنقَ الشمس الساطعة في وضح النهار..

وكان الإنجاز الاصعب قُبيل أكثر من سنتين بالانتقال من الطباعة الورقية إلى النشر الرقمي (الإلكتروني) وما يقتضيه من كلفة مادية وجهد في التوزيع في مناطق جغرافيّة شاسعة، فكان لا بد من مواكبة العصر والانسجام مع ما وصلت إليه وسائل الاتصال والتواصل. فغدت صدى المشرق مصدراً يومياً لأخبار ومقالات متنوعة تصل إلى هواتف القراء على مدار الساعة في مواكبة سريعة تترجَم نصوصاً من أمهات المواقع الإعلامية الكندية، سواء الصادرة بالفرنسية أو الانجليزية، تضعها صدى المشرق بين أيدي المتابعين وتوفر عليهم جهد البحث والتفتيش عما يثير فضولهم ورغبتهم، لتطلعهم على ما يهمهم في الداخل والخارج على حد سواء…

إنها تجربة محلية اعتمدت على الجهود الشخصية ومشاركاتِ أبناء الجالية أنفسهم، فجاءت تعبيراً واقعياً وصادقاً عن تطلعاتهم وآمالهم وآلامهم، كمرآةِ عروس تنظر إلى جمالها بافتخار، وتشق طريقها وسط الجموع بثقة، وتخطف قلوب المحبين برقّة. فها هي تشعل شمعة الخامس والعشرين من عمرٍ هو في ريعان شباب، ينظر إلى مستقبله نظرة طامحة إلى تحقيق الآمال الكبيرة في فضاءٍ إعلاميٍّ يشهد تطوراً تقنياً متسارعاً ويحتاج إلى إمكانات وخبرات قد لا تتوفر لنا وليس لنا إليها من سبيل.

 ومع ذلك فاننا لن نكف عن التمني لعل الأمنيات تحملُها طموحاتُ جيلٍ صاعدٍ قد يتوفر له في زمانه ما لم يتوفر لنا. ومن قال إن الأحلام لا تصبح في لحظةِ يقظةٍ إنجازاتٍ محققةً بإرادةٍ لا يعتريها وَهنٌ ولا تأخذ من شبابها سنواتُ التقادم؟ كيف لا وصدى المشرق بدأت برؤية حالِم حليم وغَدت في قرار مكين؟ في "يوبيلنا" الفضي لِقرائنا المخلصين على مدى الأعوام المديدة كل الشكر والتقدير، وللعاملين والعاملات تُرفع القبعات احتراماً وإجلالاً.

                                                     التحرير