"لا أحد عليه أن يختار ما يحرّرنا"

  • article

سامر مجذوب* – مونتريال

 يأتي كعنوان صارخ لحملة من قبل نساء و فتيات فرنسيات، اصبح لها صدىً عالمياً،   لما تتعرض له حريتهم الشخصية من انتهاكات و إهانات نتيجة سياسات حكومة ماكرون والتي اعتبرتها "ميدل ايست آي " حرباً على الاسلام و الدولة البوليسية الجديدة" و ذلك في عددها الصادر في 8 كانون الثاني / يناير 2021.

وفي مقالة في صحيفة فورين بوليسي بتاريخ الثامن أوكتوبر  2020  للكاتب هِلِّيَرْ ( H.A.HILLYER  ) ذكر أن"  استهداف إيمانويل ماكرون للمسلمين الفرنسيين إنما هو ميله لليمين المتطرف ومحاولة اكتساب دعمهم " .

فتحت عناوين مختلفة و تبريرات متعدّدة  تميّزت توجهات الحكومة الفرنسية الحالية بقرارات وسياسات تضييق على حريات وحقوق الملايين من مواطنيها على أسس عرقية و خلفياتهم العقائدية . في الوقت الذي أجاز مجلس الشيوخ الفرنسي للقاصر في سن 15 ممارسة العلاقات الحميمة ،  منع المجلس نفسه فتيات فرنسيات أخريات من حقهم في اختيار اللباس الذي يتماشى مع عقائدهم و اختياراتهم .

و في تقرير صحفي لها في تاريخ 19 آذار / مارس 2021 ذكرت قناة BBC رفض محكمة فرنسية اعتبار العلاقة الحميمة الجماعية بين 20 من رجال الإطفاء و قاصر بعمر 13 كحالة اغتصاب تحت حجة ان مجموعة الرجال "ادعوا" انهم ظنّوا ان عمر الفتاة القاصر 17 عاما . و الأخطر اعتبار  قرار المحكمة على ما قيل عن موافقة القاصر على هكذا علاقة .

"فرنسا ليست نصيرة الحرية كما تدعي" عنوان لتقرير لـمنظمة العفو الدولية " Amnesty International" فى 12 نوفمبر 2020 . تشير المنظمة الى حدثين كأمثلة حيّة منها : في 2019 ادانت محكمة فرنسية رجلين بتهمة "الازدراء " بعد ان أحرقا دمية تمثل الرئيس ماكارون خلال مظاهرة سلمية ". و مثال اخر كان استجواب الشرطة الفرنسية لطفل في العاشرة من عمره لرفضه الرسومات المسيئة للنبي محمد عليه الصلاة و السلام و اعتبار موقفه هذا دليل على تأييده العاطفي  " للإرهاب " .

في حين تتشدق و تتحجج الطبقة السياسية الفرنسية بالعلمانية و التي تم تحويلها لخدمة مصالح ضيّقة ولإشباع ايديولوجية شعبوية و استغلالها لقمع المرأة و كرامتها وحقوقها الانسانية بشكل خاص ، تناسى هؤلاء أن أصل العلمانية - حسب أهلها - هو عدم تدخل "الكنيسة بالدولة و عدم تدخل الدولة بشؤون الكنيسة " . و ما تشهده فرنسا هو تناقض صارخ مع هذا المفهوم . حيث تقوم الدولة بالتدخل الإجباري بتفاصيل الحياة الشخصية لمواطنيها فارضة عليهم أبشع ما يمكن عن يحصل في القرن الواحد والعشرين، ألا هو حرمانهم من إنسانيتهم ومن حرياتهم الشخصية و اختياراتهم الفكرية و العقائدية ، إلى أن وصل الامر للفرض على المرأة اختياراتها، حتى في اللباس .

لا شك ان من اخطر تداعيات هكذا سياسات و استهدافات هي إعطاء الضوء الأخضر لحملات الاسلاموفوبيا و شرعنتها و فتح شهية خروج الاحقاد ضد الاسلام و المسلمين و الاعتداءات العنيفة ضد مؤسساتهم و جعل التطرّف هو لغة التعامل بين الأطراف كلها . و المضحك المبكي عندما  تدين الحكومة الفرنسية الزيادة المضطردة في الاعتداءات على مؤسسات إسلامية فرنسية في الفترة الاخيرة .

في الوقت الذي نتفق مع الرفض المطلق لقمع حرية الانسان في العيش الكريم حسب مفاهيمه الاجتماعية و حقوقه المدنية ، لا يحق لاحد فرض وصايته و نظرياته على الاخر و خصوصا التبجح انه يسعى لحرية المرأة، بينما هو على الارض الواقع يسعى الى حرمانها من إنسانيتها و يتلاعب بحقوقها حسب أهوائه و يدعي الغيرة عليها، بينما هو يستهدفها بفكرها و جسدها و عقائدها .

الحرية ليست فضلا يعطى او يحرم منه الانسان حسب الأهواء و السياسات و الاديوليجيات و ليس بطبيعة الحال محصورا و يستحقه البعض و يحرم منه البعض الاخر . إنما الحرية خلقها الله لانسان و خلق العقل ليتكاملا بإيجاد المجتمع العادل لجميع ابنائه .

                                                                         * رئيس المنتدى الاسلامي الكندي