القانون 21 و السيناريوهات الصعبة!

  • article

سامر مجذوب - مونتريال

 

لم يعد يخفى على القاصي و الداني ان القانون 21 و الذي يمنع ما يطلق عليه "الرموز الدينية" في عدد من الوظائف العامة و منها في قطاع التعليم الرسمي و الذي اقرته الحكومة في كيبيك في منتصف عام 2019، اصبح  هذا التشريع قضية رأي عام على صعيد الوطني و هو على وشك ان يتحول الى معضلة سياسة و دستورية  تعم فضاء الوطن الكندي.
حكومة "التحالف من اجل مستقبل كيبك" CAQ في كيبيك كانت على دراية تامة ان إقرار القانون 21 يتعارض مع شرعة الحقوق، و لذلك اسرعت باستخدام البند 33 من الدستور الكندي ما يُعرف باسم  notwithstanding clause لكي يتم تجاوز بعض بنود شرعة الحقوق والتي كانت سوف تستخدم لكي يتم تحدي هذا القانون في المحاكم .
البند 33 من الميثاق الكندي للحقوق والحريات هو جزء من دستور كندا. يُعرف عمومًا باسم بند الاستثناء (la clause dérogatoire ، أو la clause nonobstant بالفرنسية) ، ويشار إليه أحيانًا باسم سلطة الإلغاء ، ويسمح للبرلمان أو المجالس التشريعية في المقاطعات بتجاوز أجزاء معينة من الميثاق مؤقتًا.
اتى حرمان المعلّمة فاطمة انوري من دخول الفصول للقيام بما هي تحمل كل المؤهلات للقيام به من تعليم تحت حجة القانون 21 لكي يؤدي هذا القرار الى حالة عارمة من العطف و التأييد لها على كل الاصعدة.  اضف الى ذلك ان الحدث نفسه اعاد القانون 21 و مفاعيله الى الواجهة. و حقيقة ان اكثر المتضررين منه هم نساء و فتيات كيبيك ليس لشيء انما  للحرية التي يمارسنها في اختياراتهن، منها العقائدية واختيار اللباس الذي يناسبهن و الذي يعتبرن انه يعكس استقلالية توجهاتهم.
في ظل هذا التوتر المجتمعي تُطرح الكثير من التساؤلات ، ماذا بعد و ماهي السيناريوهات التي يجب ان تُتبع للخروج من عنق الزجاجة الذي يظهر اكثر تعقيدا مع مرور الايام .

 

الخط الفيدرالي

منذ تأسيس الكونفدرالية الكندية في عام ١٨٦٧ حتى يومنا هذا كان و ما زال لكيبيك وضعيتها الخاصة و الحساسة جدا داخل الجغرافية السياسية في البلاد . و هذا يجعل اي جهة حاكمة في اوتاوا حذرة جدا في الدخول المباشر بأي صدام مع اي خط سياسي يدير الحكومة في كيبيك بغض النظر عن ماهية هذا الخط و خلفياته . و يزيد الامر صعوبة اذا كان خط السياسي الطاغي ذو توجه انفصالي او سيادي بشكل مباشر و غير مباشر .
يبقى التوجس من الفكر الانفصالي في كييبك هو سيّد الموقف بغض النظر عن ظهوره على الساحة او خفوته في فترات اخرى .
في تصريح له اثناء مؤتمر صحفي فى 13 ديسمبر – كانون الاول الحالي ، كرر جوستان ترودو موقفه المعارض بشدة للقانون 21 و احتمالية تدخل السلطة الفيدرالية في التحدي القانوني له ظز الا انه استطرد ، اي ترودو ، انه لن يعطي حكومة فرنسوا لوغو العذر للتصادم بين كيبيك اوتاوا . لعل هذه الكلمات تعكس حقيقة الصورة الكاملة للسياسة الفيدرالية بعمومها و عبر التاريخ عندما يتعلق الامر بكيبيك .
اضافة الى ذلك وعقب فصل المعلّمة فاطمة انوري من التدريس في مدينة شلسي انبرت الكثير من مجالس المدن في مقاطعة اونتاريو و غيرها في باقي مقاطعات الكندية الى عرض المساهمة المالية في تكاليف الاجراءات القانونية الجارية حاليا ضد القانون 21 . هذه المبادرات واجهت ردّات افعال غاضبة في كييبك من مختلف القوى السياسية و المدنية حتى منها المعارضة لقانون 21 لمًا يعتبرونه تدخلا في شؤون كيبيك ! 

 

الخط القضائي

يواجه القانون 21 عدة قضايا امام المحاكم العليا من عدة جهات . و لكن من الواضح ان الخروج بالنتائج المرجوة من المحاكم ما زال امامه رحلة طويلة و معقدة جدا يجعل التنبوء بنتائجها غير مضمونة . اضافة ، الى انه اصدرت المحاكم قرارها بعدم شرعية القانون 21 ، عندها من المتوقع ان يُشعل مؤيدو القانون معركة دستورية شرسة مع اوتاوا تحت نفس المنوال ،اي التدخل بشؤون كيبيك و الكبيكيين .
 

داخل كيبيك

لا شك ان التأثير المباشر للقانون 21 و توتراته المجتمعية في كيبيك اكثر بكثير من خارجها . و نساء و فتيات كيبيك هم "الضحايا" الاساسيين لمفاعيل هذا القانون . الواقع السياسي في كيبيك يعطي حكومة CAQ المجال الواسع في التحرك و اتخاذ القرارات نظرا للتاييد الكبير من قبل الناخبين ، حسب الاحصاءات الاخيرة. و تأتي حالة الضعف الشديد التي يشهدها الحزب الليبرالي الكبيكي ،الخصم التقليدي للـ CAQ ، ليكون عاملا مهما في إطلاق الحكومة الحالية مواقفها دون حرج او خوف من اي ثمن سياسي .
استطاع فرنسوا ليغو ايجاد اجواء في عموم كيبيك ان اي معارضة او حتى نقد للقانون 21 هو "اهانة" لكيبيك والاكثرية في داخلها .  هذا جعل الاصوات المعارضة لهذا القانون تحسب الف حساب قبل الخروج العلني بمواقفها .
 

اما بعد ،

في ظل هذه الاجواء و التي ظاهرها يوحي و كأن الافق مسدود بالنسبة للقانون 21 و كأنه هناك حالة شلل في مواجهته ، لا بد من الاشارة الى ان هناك حقيقة سوف تكون لها الكلمة العليا ان الكيبكيين هم جزء من الفيدرالية الكندية مما سوف يؤدي عاجلا ام اجلا الى تدخل الحكومة الفيدرالية . اضافة الى كلمة الفصل للمحاكم في نهاية المطاف .
و قد يحصل ان يّراجع الـ CAQ سياساته لكي يحاول الاستجابة للدعوات و المبادرات لتخفيف حالات الاحتقان المجتمعي في كيبيك من خلال مراجعة بعض بنوده .
في الختام ، من قال ان نيل الحقوق بالتمني ، انما هو عمل و جهد و الاستمرار. و الاصل في الامور انه لن يموت حق وراءه مطالب .

*رئيس المنتدى الاسلامي الكندي