السلام عليكم ... حتى يكْتَمِل صَوْمُنَا!...

  • article

حسين حب الله - مونتريال

تبنّى الحزب الديمقراطي الجديد في مؤتمره العام لهذه السنة، الذي انعقد السبت الفائت في العاشر من شهر نيسان الجاري، اقتراحاً قدمه ائتلافٌ يضم نشطاء فلسطينيين ويهود يدعو الحزبَ إلى تعديل سياسته لتشمل "إنهاء كل أشكال التعاون التجاري والاقتصادي مع المستوطنات غير الشرعية في إسرائيل وفلسطين" و"تعليق التجارة الثنائية بِجميع الأسلحة والمواد ذات الصلة مع دولة إسرائيل حتى إحقاق كل الحقوق الفلسطينية".

لكن الحزب خيّب آمال الكثيرين لأنه لم يصوّت على قرارٍ لمعارضة التعريف الإشكالي لمعاداة السامية، الذي أصدره "التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة" (IHRA) رغم أن معارضة القرار تحظى بتأييد قسم كبير من المنتسبين إلى الحزب الديمقراطي، بعد "أن مُنِحَ أولوية عالية من قبل الأعضاء الذين وضعوه في المركز السادس من بين 48 قراراً مرتبطاً بالسياسة الخارجية".

يأتي هذا الموقف الجديد للحزب اليساري المعارض ليكشفَ حجم الإعتراض الكبير على الإنتهاكات الإسرائيلية لحقوق الفلسطينيين بين الكنديين، كما أكد استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "EKOS Research" عام 2017، فكشف أن 78٪ من الكنديين يعتبرون الدعوة للمقاطعة أمراً معقولاً. كما تحظى الفكرة أيضاً بدعم قوي منَ العديد من النقابات العمالية الرئيسية في كندا، بما في ذلك "مجلس العمال الكندي" الذي يمثل أكثر من ثلاثة ملايين عامل في جميع أنحاء البلاد.

ويكشف عدم التصويت على قرارِ معارضة تعريف "التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة" تجنّبَ الحزب إغضاب جماعة النفوذ (اللوبي) المؤيدة لإسرائيل في كندا، التي تملك تأثيراً قوياً في السياسة الكندية. 

موقف الحزب الديمقراطي يحرّك من جديد فكرة مقاطعة البضائع المُنتَجة في الأراضي المحتلة، سيما التمور التي تُباع في الاسواق الكندية، والتي عادت مسألتها إلى الواجهة مجدداً مع دخولنا في شهر الصوم، حين يكثر استهلاك التمور على الموائد المُعدَّة في شهر رمضان، لِما ورد من أحاديث نبوية تحث على الإفطار على التمر.

وبما أنَّ الكيان الصهيوني - بحسب صفحة تويتر المُسمَّاة "إسرائيل بالعربية" - يعتبر "مصدّراً للتمور وفي مقدمتها صنف "المجهول" الذي يحتل شريحة قدرها 75% من السوق العالمية للتمور، فقد دعا العديد من الناشطين في الجالية في أكثر من مدينة كندية إلى التحقق من مصدر التمور المُشتراة والابتعاد عن شراء تلك التي تُنتَج أو تُعبَّأ في الأراضي المحتلة.

ولتحديد هذه الشركات نشر موقع https://bdscoalition.ca/tag/medjoul-dates أسماء عدد من الشركات التي تبيع تموراً أُنتِجَت في الأراضي المحتلة وهي:

King Solomon Dates, Arava, Golden Valley, Bomaja Blue and La palma, Hadiklaim, Delilah, Jordan River, Mehadrin, Cosco, Karmel, MTex, Edom, Agrexco.

وكبديل مِنها يمكن شراء التمور الفلسطينية والأردنية (بعد التأكد منها) أو الجزائرية أو التونسية أو الإيرانية أو السعودية. وأيضاً الراغبون في التمور من نوع "المجهول" يمكنهم شراء التي زُرِعت وعُبئت في كاليفورنيا مثلاً.

وبحسب باحثين واقتصاديين فإن "إقامة المصانع لإنتاج السلع التصديرية في المستوطنات تحقق مصلحةً مضاعفة للسياسة الإسرائيلية. فمن جهة تضمن السيطرة على أراضٍ فلسطينية، ومن جهة ثانية تدعم المشروع الإستيطاني وتقوّي الإقتصاد الإسرائيلي الذي يعتمد بدرجة كبيرة على التصدير، وجزءٌ ليس بالقليل من الصادرات مصدره المستوطنات".

وبحسب القوانين الدولية فإن المنتجات التي تُنتَج في المناطق المحتلة هي غير شرعية.

لقد كتب الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي ذات يوم في صحيفة «هآرتس» التي هو عضو هيئة تحريرها ما يلي: "لا أشتري أي منتجات تأتي من المستوطنات الإسرائيلية، ولن أفكر في ذلك مطلقاً، وبحسب اعتقادي فإن تلك المنتجات عبارة عن بضائع مسروقة، ولأنها كذلك لا أسعى لشرائِها أبداً." وأضاف في المقال الذي نشر عام 2012 " أن مقاطعة بضائع المستوطنات تعد مقاطعةً مبرّرة، وأن وضع علامات على هذه البضائع يُعدّ الحدّ الأدنى من المطالب التي ينبغي أن تنادي بها أي حكومة في العالم خدمةً لمواطنيها".

هذا الأمر يذكّرنا بالدعوى التي أقامها الدكتور ديڤدْ كاتنبورغ، وهو من الجالية اليهودية في وينيبيغ وابن عائلة نجت من المحرقة، أمام المحكمة العليا في كندا منذ أعوام، تحديداً في أوائل عام 2017 ضد وكالة فحص الأغذية الكندية (CFIA) بشأن نوعين من النبيذ يُنتجان في المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية في الضفة الغربية. وخلُصَت المحكمة عامَ 2019 إلى أن اعتبار هذه المُنتجات "مصنوعة في إسرائيل" هو أمر "غير دقيق وخادع". ونُقِل عن كاتنبورغ حينها قوله "لا يمكنك وسم المنتجات على أنها من "صنع إسرائيل" إذا لم تكن مصنوعة في إسرائيل".

وتعتبر حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS) أن استيراد بضائع المستوطنات الإسرائيلية أو التجارة بها، يعد تورطاً في "دعم الاحتلال والعنصرية".

وُتعرّف حركة المقاطعة نفسها بأنها "حركة فلسطينية المنشأ، عالمية الامتداد، تسعى لمقاومة الاحتلال والاستعمار الاستيطاني ونظام الفصل العنصري الإسرائيلي، من أجل تحقيق الحرية والعدالة والمساواة في فلسطين، وصولاً إلى حق تقرير المصير لكل الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات".

لكن في كندا كان المجلس النيابي الفدرالي أقرّ مذكرة تقدم بها حزب المحافظين تدين حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل، فصوّت الحزب اللبرالي دعماً لِلمذكرة.

ووصف رئيس الوزراء الكندي جوستان ترودو الحركة بأنها معادية للسامية، تخالِف "القيم الكندية"، واتهمها بترهيب الطلاب اليهود في حرم الجامعات.

ويعتبر الحزب اللبرالي كما جاء على لسان رئيس الوزراء جوستان ترودو أن استهداف دولة إسرائيل هو شكلٌ من أشكال معاداة السامية، مقتبساً من وصف وزير العدل الكندي السابق إروين كوتلر قوله إن الإستهداف يتمثل "بثلاثة أشكال: شيطنة إسرائيل، واعتمادِ المعايير المزدوجة بشأنِها، ونزع الشرعية عن دولة إسرائيل".

لكن المسؤولين الكنديين يتجاهلون حقيقة أن سماحهم للمُنتَجات المصنعة في المستوطنات الاسرائيلية، المصنّفة محتلةً بحسب القانون الدولي، بالدخول إلى كندا هو أمر مخالف للقوانين، والسكوت عنه تواطؤ ـ غير معلن ـ مع الاحتلال، ويتطلب من أنصار حقوق الانسان رفض هذه المُنتَجات والعمل على مقاطعتها.

في شهر الصوم فرصة كبيرة للتعبير عن هذا الرفض من خلال الإمتناع عن شراء التمور التي ذُكِر أن مصادرها هي المناطق المحتلة حتى يكتمل الصوم برفض الظلم والاحتلال، ونصرة المظلومين والأحرار.