طلال طه - مونتريال
ما تناقلته وسائل الاعلام نقلا عن الصفحة الرسمية لمجموعة الضغط B’nai Brith Canada حول التقرير الذي أصدرته والذي تدعو فيه الجالية اليهودية لدعم بعض الشخصيات التي تتماهى مع مصالح جاليتهم في كندا ومصالح إسرائيل في الخارج، يثير الحشرية في جانب والغيرة والحسد ربما وينمي حس التنافس بين الجاليات خصوصا فيما يتعلق بالشأن السياسي على مستوى هذا البلد!
الجمعية تأمل من خلال تقريرها أن يكون مفيدا في اختيار المرشحين الذين يدعمون توجهات الجمعية في تبني التعريف الصهيوني لما تسميه معاداة السامية (antisémitisme)، ويتابع المقال بالإشارة الى أن الجمعية تقدمت بمجموعة من الأسئلة لمجموعة من المرشحين على مساحة كندا ككل، والتي على ضوء الإجابات من قبل المرشحين توجه الجمعية جاليتها وجمهورها لصب الأصوات لصالح هذا المرشح أو ذاك ممن يقدم أوراق اعتماده لها!
في مونتريال، توجهت الجمعية للمرشحين الرئيسيين لبلدية مونتريال السيد Denis Coderre والسيدة Valérie Plante، كل عن اللائحة التي يمثل، ويذكر التقرير أن السيدة Plante لم تلتزم بالإجابة على مسودة الأسئلة التي وجهت لها حتى بعد انتهاء الوقت الممدد، لذلك نحن لا نعرف بالضبط موقف السيدة Plante من أسئلة الجمعية وخصوصا ما يتعلق بالسؤال الذي يتحدث عن "معاداة السامية"، ولكننا قد نفهمه مما قاله لاحقا السيد Coderre عن تقديمه مذكرة للبلدية بهذا الخصوص ورفضت برئاسة السيدة Plante عام 2020!
على العكس من السيدة Plante فإن السيد Coderre التزم بتبني التفسير والتعريف الخاص بمعاداة السامية كما يقدمه الاتحاد الدولي للتذكير بالهولوكوست (IHRA)، ويؤكد السيد Coderre أنه، ومن موقع المعارضة كان قد تقدم بنفس المذكرة للبلدية ولم تتبناه إدارة السيدة Plante في حينها.
ملاحظة: (IHRA) International Holocaust Remembrance Alliance
ما تريده B’nai Brith Canada معروف، وهي جمعية متخصصة من مجموعات ولوبيات الضغط التي تمارس السياسة من موقع المتمكن والمهيمن والمسيطر والمتحكم بمصائر سياسيين ومثقفين وأكاديميين وفنانين ورياضيين، وشخصيات عامة، وتجار، ونخب.. كل أولئك لهم قصصهم وسيرهم التي يروونها من موقع الضحية حين يتعرضون للمحاصرة في كل شؤون حياتهم حين يمارسون دورهم الإنساني والحقوقي والقانوني والشرعي في ابداء آرائهم في بعض القضايا التي تخص إسرائيل أو الصهيونية!
والانتخابات الفدرالية والمقاطعة والبلدية هي فرص حقيقية لهكذا جمعيات ومؤسسات لتقوم بدروها الحقيقي، ما هو معلن مثل الذي قدمته على موقعها من مساءلة طالت المرشحين لتحديد مواقفهم من بعض القضايا التي تخص جالياتهم على المستوى الكندي وفيما يخص الكيان الإسرائيلي وكل ما يتعلق به، وخصوصا مسألة معاداة السامية كسيف مسلط على رؤوس الأحرار ممن لهم رأي في بعض القضايا الإنسانية والعامة!
وطبعا هناك أدوارا خفية تقوم بها في الظل تتوزع ما بين الترغيب والترهيب، والعصا والجزرة، والوعود بالجنان او التهديد بالجحيم، ليس هنا فقط في كندا، بل في أمريكا بشكل فاضح أكثر وفي أوروبا وخصوصا في فرنسا ونشهد وسنشهد في عديد من الدول العربية والإسلامية المطبعة ما يشابه هذا اللون من التنمر وكبت الأصوات ولي عنق الأقلام التي تجرؤ عن مساءلة إسرائيل عن جرائمها!
هذه الاثارة من قبل مجموعة الضغط هذه وفي هذا التوقيت بالذات، أثناء الانتخاب البلدي المبكر أو الانتخاب النهائي في 6 و7 نوفمبر، وكذلك في الانتخابات الفدرالية التي جرت منذ أسابيع، كان السؤال البديهي والمنطقي يطرح من قبل أبناء الجالية: من ننتخب، ولمن نعطي أصواتنا الانتخابية، وفي خدمة أي مشروع وأية أهداف؟
أسئلة كثيرة تظل بلا أجوبة حتى الساعات الأخيرة من أيام الانتخاب، وربما يبقى بعضها لدى شريحة واسعة من أبناء الجالية بلا أجوبة، وبالتالي إما الشعور بعدم جدوى الذهاب الى صناديق الاقتراع أو تضييع الأصوات الانتخابية دون هدف ووجهة ومشروع محدد يخدم أبناء الجالية ويتلاقى مع بعض مصالحها!
هذا الواقع استدعى مجموعة من الناشطين على ساحة مونتريال من اهل الخبرة والكفاءة والمصداقية للقاءات تشاورية للبحث في مجموعة من العناوين التي تهم الجالية وفي أساسها موضوع الانتخابات الفدرالية والمقاطعة والبلدية ترشحا وانتخابا ومشاركة بما يخدم مصالح أبناء الجالية التي تمارس وطنتيها الكندية على كل المستويات وتساهم مساهمة فعالة في تقدم ونهضة وتطور هذا البلد الجميل!
ليس من موقع رد الفعل على ما تقوم به بعض جماعات الضغط ولوبيات السياسة، انما من موقع الممارسة الحقيقية للسياسة بمفهومها الإنساني المتقدم لخدمة الناس وتطوير البلد بما يحفظ حقوق ومواطنيه كل القاطنين على أرضه مقابل ما يطابه منهم من احترام لواقعها التعددي في الالتزام بواجب احترام القوانين والالتزام بالدستور!
لسنا طارئين على هذا البلد الرائع، فجاليتنا يقدر عمرها بحوالي القرن تقريبا منذ الهجرات الأولى التي جاءت قبل وعشية الحرب العالمية الأولى، في بلد عمره التقريبي حوالي ثلاثة قرون ونصف، وإذا أخذنا بنوعية المشاركة والتقديمات والعطاءات والجهد الذي بذلته جالياتنا في سبيل تقدم هذا البلد ونموه وتطوره وحسن ممارسة الانسان فينا لدوره الطايعي وفهمه المتقدم لموقعه فوق هذه الخارطة المتنوعة الأطياف والألوان والذائقة البشرية.. إذا أخذنا كل ذلك بعين الاعتبار، فقد نجرؤ على القول إننا من المساهمين الكبار في ثراء وغنى وتنوع هذا البلد!
من خلال هذه الرؤيا نطل على دورنا الإيجابي في المشاركة الندية مع مواطنينا الآخرين، خصوصا أننا نفتخر بأننا نقدم لهم الجيل الثالث والرابع من النخب الاقتصادية والثقافية والفكرية والعلمية المتخصصة التي تتوزع في كل المساحات وعلى كل المستويات المشهد الاقتصادي والثقافي والعلمي الكندي!
الندية التي نبحث عنها تتأتى من خلال رؤيتنا القيمية المتجذرة التي تنظر الى السياسة بتعريفاتها الأصولية والفكرية الأساسية من حيث هي مدخل لخدمة الناس وبناء المجتمع فالدولة، وتحرص على الاحترام العقد الاجتماعي المتقدم والمتطور الذي اختارته كندا لينظم شؤون النظام والحكم وتعايش هذا التنوع الكبير من خلال ومن داخل هذا النظام!
وعليه، فإن مستلزمات هذا الكلام أن ندعم هذا التوجه الذي يقوم به هؤلاء الناشطون الكنديون الذين أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من إطلاق مشروعهم الى العلن مع اتاحة الفرصة لكل الناشطين الصادقين المخلصين للمشاركة في رعاية هذا المولود الجديد.. ومن موقع فهمنا بأن الغاية تنظف الوسيلة ولا تبررها، نتوقع من جاليتنا ان تمارس السياسة كفعل انساني متقدم ينطلق لملاقاة الآخرين في هذا العقد الاجتماعي الجميل: كندا!
ومن موقع الحرص على ممارسة سياسية نظيفة وشفافة لا تسمح لهذه الجمعيات أن تفسد هواء الديموقراطية النقي في كندا، ولأن ذاكرتي لا تزال نشيطة حين غرد السيد Coderre: DieuDonné out قائلا للفكاهي الفرنسي: أنه غير مرحب به في مونتريال، ومن موقع الخوف على مستقبل أبنائي ومواطني الكنديين في حريتهم لأن يقولوا كلمتهم ويبدوا رأيهم في مختلف القضايا، وحيث أنه من حقي أن "أعاقب" السيد Coderre على تقديم أوراق اعتماده باكرا لمنظمات الضغط الآنفة الذكر، فإني أمنح صوتي السبت القادم للسيدة Plante!