مع إطلالة شهر رمضان المبارك يهلّ على المسلمين في أنحاء العالم هلال الخير والبذل والعطاء. فهُم مدعوون فيه إلى تذكّر جوع الجائعين وعطش الظمأى، وما أكثرهم في هذا الزمن الذي جنَت فيه حروب الطامحين إلى السلطة والثروة على آلاف الضحايا في أكثر من بلد وإقليم!
وما اليمن الجريح إلا مثالٌ ساطعٌ على ما نقول، فاضحٌ لعدوانية الذين يدَّعون الإسلام ثم يعيثون فيه تقتيلاً وتخريباً وتشريداً. ناهيك عن معاناة الشعب الفلسطيني المستمرة منذ احتلال أرضهم وسوْم أهلها ألوان العذاب والهوان بيَدِ المُسمّاة في قاموس بعض الدول الغربية "الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط".
أما حصار سوريا ولبنان فيجري تحت أعين المنظمات الدولية والأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي، وكأنه أمر مستساغ ومتقبّل: أن تحارب نظاماً لا يروق لك ومقاومة لا تريد لها أن تستمر من خلال تحويل حياة الشعبين اللبناني والسوري إلى جحيم لا يُطاق، وذلك من خلال التلاعب بالعملة الوطنية وإضعاف قوتها الشرائية، إلى منع الهبات والمساعدات والتحويلات المالية الكبيرة، سعياً وراء تحقيق أهداف سياسية عجزت حروبٌ متتالية وجحافلُ من التكفيريين الارهابيين عن تحقيقها.
وهكذا تمتد خارطة الظلم لتشمل الروهِنغا في مينامار، وشعوباً إفريقية تعيش على أرض تطفح بالخيرات والمعادن والثروات دون أن تستفيد منها إلا الشركات الكبرى المحميةُ بالجيوش والحكومات...
أمام هذا الواقع الأليم لا ينبغي للإنسان أن يقف مكتوف اليدين لاعناً الظلام دون أن يشعل شمعة عل الأقل في عتمةِ ليل البشرية الحالك. وقد سمعنا ورأينا كيف تنطلق مبادرات فردية أو جماعية بسيطة في مد يد العون والمساعدة لمن يحتاجها لتتحول إلى جهود إغاثة تضاهي التي تقوم بها جمعيات أممية مدعومة.
ومن جملة هذه المبادرات "عملية نور الانسانية" التي أطلقها شباب وشابات كنديون من أصول لبنانية لجمع المساعدات المادية والعينية لإرسالها إلى جمعيات خيرية توزعها بدورها على مستحقيها في لبنان (التفاصيل تجدونها في مقابلة مفصّلة لصدى المشرق مع المشرف على الحملة الأستاذ حسن جابر). هذا إلى جانب مبادرة هنادي سعد ، وسام مريش و"الجمعيّة اللبنانيّة الكنديّة" في الشمال اللبناني، وغيرها من المبادرات الخاصة بلبنان، ومبادرة عدد من الناشطين من أصول يمنية وعراقية وفلسطينية إلى جمع التبرعات وشراء المواد الغذائية وإرسالها إلى المشردين والمحتاجين في بلدانهم ..
إن مثل هذه المبادرات قد لا تحل مشكلات كبرى خلَّفتها الحروب والفساد والمؤامرات، إلا أنها تسهم في تخفيف معاناة الناس، ولو بقدر، وتشعر الانسان المتبرع بانسانية وحياة ضميره وقيمه عندما يسهم بالتطوع بماله ووقته وجهده، فيكون حقاً وفعلاً من أهل الخير الذين ينتظرون شهر الخير بفارغ الشوق كي يزدادوا كيلاً من الثواب والحسنات.
فالانسان أخ الانسان أحَبَّ أَم كرهَ.. "أخ في الدين أو نظير في الخلق"، كما يقول الامام علي (ع)، و"الخلق كلهم عيال الله وأحب خلقه إليه أنفعهم لعياله"، كما قال النبي الأكرم (ص).
فبوركت جهود كل من لم تمتْ في قلبه مشاعر التضامن والمواساة مع الأيتام والفقراء والمساكين. فالقلوب تحيا بالحب والعطاء والسخاء، وتموت بالأحقاد والإقتار والإعسار. التحرير