أول الكلام : أي دلالات ومغازٍ لِزيارة البابا إلى العراق؟؟

  • article

دائما ما تشير بوصلة اهتمام الفاتيكان إلى المناطق التي يتعرض فيها الوجود المسيحي إلى الخطر والتهديد، سيما في الحواضر التي تملك رمزية دينية ضاربة في جذور نشأة المسيحية وبدايات ظهورها.

 ولا شك أن العراق هو من أعرق هذه الاماكن ومهد الديانات الإبراهيمية والحضارات الانسانية القديمة التي توالت على بلاد ما بين النهرين من سومرية وأشورية وكلدانية وغيرها. وما شهده هذا البلد بعد الغزو الأمريكي له وإطلاق يد الجماعات التكفيرية والارهابية فيه عرَّض الوجود المسيحي إلى تهديد وجودي بفعل الأعمال الاجرامية التي ارتكبتها هذه الجماعات بحق مكونات الشعب العراقي الرئيسية من شيعة ومسيحيين وأيزديين وصابئة، ما أدى الى تهجير أعداد كبيرة من المسيحيين بعد تدمير الكنائس وقتل وخطف الذين كانوا آمنين على مسمع ومرأى القوات الأمريكية والحلفاء.

 ولولا الفتوى الشهيرة للمرجع الديني السيد السيستاني بوجوب الدفاع عن كل المناطق العراقية التي تعرضت لغزو داعش وأشباهها لَما تسنى اليوم للحبر الأعظم أن يقوم بهذه الزيارة الرعوية التاريخية. فهل يأتي اللقاء مع المرجعية الدينية في النجف الأشرف كَلفْتة امتنان وإقرار بالدور الهام الذي لعبته في حماية النسيج الوطني بِتشكيل قوات الحشد الشعبي كرديفةٍ للجيش العراقي؟ فقبل ذلك فتّ عضده الاحتلال وأراده أن يكون ضعيفاً مشرذماً لغايات لا يسع المقام لِذكرها وتبيانها..

 أما مقاصد الدعوة إلى السلام بين الأديان الابراهيمية فدُونها مشكلة اختزال الديانة اليهودية بالكيان الاسرائيلي الغاصب لفلسطين، ما يوحي بأن التطبيع معه هو استجابة لدعوات السلام هذه. وهذا ما لا تقبله المرجعية الدينية وغالبية الشعب العراقي، الذي قدّم الشهداء في حرب عام 1973 دفاعاً عن دمشق، ودمرت إسرائيل مفاعله النووي في غارات على بغداد عام ١٩٨١، وشاركت أجهزتها الاستخبارية في تصفية علماء عراقيين بارزين يُعزى إليهم الفضل في تأسيس مشروع الطاقة الذرية. ذلك عدا عن الجريمة الكبرى لوكالة الاستخبارات الامريكية التي زيَّفت الأدلة على سلاح الدمار الشامل الذي استخدمته واشنطن ذريعةً لغزو العراق، وما نتج عنها من مآسٍ لم تنتهِ فصولاً بعد..

 قد يقول قائل إن استحضار أحداث مضت لا يرتبط بالزيارة الرعوية البابوية، فلمَ تحميلها دلالات ومَغازٍ لا تتحملها؟؟ والجواب: نعم، قد لا يكون هناك ارتباط مباشر، إلا أن جهات سياسية عالمية وإقليمية ومحلية عراقية قد تستغل الزيارة دون إرادة الزائر لتعمل على الدفع بالعراق الرسمي إلى تطبيع علاقاته مع تل أبيب مع إغراءات مادية كبيرة تحت عنوان السياحة الدينية ليهود اسرائيل إلى أور مهد الابراهيمية، وإلى الاهوار كتراث بيئي عالمي أُدرج في لوائح الاونيسكو مؤخراً، وذلك تحت وطأة المطالب الشعبية التي ترفع شعارات حقوقية حول المعيشة والتنمية والازدهار، ولا تمانع من أي طريق يأتي لأن الشعب ضاق ذرعاً بفساد الحكام واستمرار الحروب والحرمان من أبسط مقومات المواطنة في بلد يعوم على الذهب الأسود.

 فهل تفتح الزيارة البابوية أبواب الخير والسلام على العراق؟ أم أن المتربصين به سيُمعِنون في مشاريعهم التقسيمية لأن سيادتهم رهن تفرُّق أبناء المنطقة بأسرها: شيعاً وطوائفَ ومذاهبَ وقومياتٍ؟                      التحرير