طلال طه - مونتريال
لا شك ان السياسة فن وهي تحولت الى علم، فرع على العلوم الاجتماعية الذي يمثل مظلة العلوم الإنسانية التي تبحث في علائق البشر بين بعضهم البعض!
لا يوجد لعلم السياسة تعريفٌ رسمي وعلمي دقيق، فالسياسة يمكن أن تعتبر نشاطاً بشريّاً أو أكاديميّاً، فرديا أو جماعيا، وهي بذلك تعني كيفية تنظيم ممارسة الناس للسلطة بين الافراد والجماعات، ثم الدول والأمم لاحقا، وصولا الى الوضع الحالي لاستقرار مكونات هذا الكوكب على وجود أنظمة عالمية وإقليمية ووطنية تنظم هذه العلائق وتحرص على تدبير وتحكيم الاتفاقات والنزاعات بينها!
ولا شك أن النشاط السياسي الاجتماعي للشعوب كممارسة، كان سابقا على النظريات السياسية التي انتظمت لاحقا في مجموعة من الأفكار والنظريات والمدارس السياسية الفكرية والدينية والايديولوجية..
وقد جاء تعريف المعاجم الفرنسيّة لعلم السياسة بأنه العلم الذي يقوم بدراسة المجتمعات البشريّة أو الإنسانيّة، أي أنه علم حكم الدول.
وقد أصبحت الجامعات تعترف بعلم السياسة كأحد العلوم منذ نهاية القرن التاسع عشر للميلاد. وعليه اسست المدرسة الحرة في باريس للعلوم السياسية، ومدرسة لندن لعلوم الاقتصاد والسياسة، واعتمدته الجامعات الأمريكية في أغلبها.
وقد قامت جامعة كولومبيا بتعريف علم السياسة بأنه "العلم الذي يقوم بدراسة الحكومات والمؤسسات، وعددٍ من السلوكيّات والممارسات التي يقوم بها السياسيون".
يريد هذا التعريف أن يقول إن هذا العلم يهتم بدراسة آلية الحكم والمؤسسات السياسيّة بكلتا نوعيها (التشريعيّة والتنفيذيّة)، وبعض التنظيمات كالأحزاب والمنظمات المدنية وجماعات الرأي العام، كما أن هذا العلم يعنى بعمليات الاقتراع والتصويت في الانتخابات وغيرها، وكتابة النظم والدساتير.
الأميركي ديفيد إيستن عرف علم السياسة بأنه العلم الذي يقوم بدراسة التوزيع (السلطوي الإلزامي) لجميع القيم في المجتمعات، أي أن هذا العلم يصب اهتمامه على دراسة الأدوار المحوريّة للسلطات السياسيّة في عملية الحفاظ على قيم المجتمعات.. وهو رأي غريب!
انتظام شأن هذا العلم في الدوائر الأكاديمية تم كما ذكرنا مع نهايات القرن التاسع عشر، أي مع بدايات صعود الوهابية في الجزيرة العربية ثم استغلال آل سعود لهذه الهرطقة الدينية المحمولة على اسلام المذاهب السنية الاربعة المعروفة لكي يتم عقد سفاح بين الوهابية وآل سعود الذي أنتج ما سمي لاحقا، وبإشراف البريطانيين والأمريكيين، “المملكة العربية السعودية" على أراضي الجزيرة العربية تاريخيا!
في الشكل أولا، هي الدولة الوحيدة التي تمارس السياسة من خارج الأندية السياسية التاريخية القديمة أو العلمية الحديثة، فهي الدولة الوحيدة في العالم التي لا تملك دستورا مكتوبا، حديثا وزعت بضع وريقات على بعض الامراء على أنها عقد اجتماعي بين أجنحة العائلة لتوزع السلطة!
هي الدولة الوحيدة التي ترفع السلاح شعارا لها، وهو السيف الذي يزين العلم الوطني السعودي، وهي الدولة الوحيدة التي تقدم الدين على أنه مادة من مواد العدوان على البشر.. كل البشر، الوثنيون والملحدون واليهود والنصارى والمذاهب الأخرى من المسلمين عدا المذهب الوهابي، ولكن ومن خالفهم بالراي من الوهابيين مثل الشيخ سلمان العودة والشيخ حسن المالكي وغيرهم في السجون، وجمال خاشقجي وغيره في القنصليات والسفارات!
وها نحن نشهد منذ عقود أسوا ممارسة سياسية لفن وعلم السياسة في الممارسة اليومية للسياسة، وفي البرامج والخطط والاستراتيجيات إذا وجدت، على يد هذا الصبي الذي ارتكب من الأخطاء خلال السنوات العشر الأخيرة ما لم يرتكبه أغلب الحكام الحمقى عبر التاريخ!
من خوض الحروب الخاسرة الى العمليات السياسية والأمنية الفاشلة، الى القدرة الغريبة على افتعال الأعداء وتحويل الخصوم والمؤسسين لحكم العائلة من شيوخ الوهابية الى أعمامه وأولادهم في العائلة الملعونة الى كبار التجار والاقتصاديين في المملكة، تحويل كل هؤلاء الى خصوم وأعداء، وزجهم في السجون وتحت الإقامة الجبرية وسلبهم "أموالهم" وحصارهم وأخذ عائلاتهم رهائن!
فائض الحمق هذا لا بد من توزيعه على الجوار أيضا، الخليج أولا، الذي يستجيب معه في سياسته الغبية العبثية الحاقدة المجرمة محمد بن زايد، مراهقين من زمن بلاطات الحكم الأموي وحريم السلاطين والامراء يقبعون فوق ثروات هائلة من المال والنفط والغباء!
أبعد من ذلك لا بد من اعتماد سياسة غبية ومكشوفة وفاشلة في لبنان، وذلك برفع الغطاء عن المكون السني التاريخي في بناء لبنان واحتمالات وجوده في المستقبل. هذه الممارسة الفظة والغبية والغليظة والحمقاء، إنما تصرح بفجاجة بأن هذا الدب الداشر لا يفقه جملة سياسية واحدة مفيدة!
ثم الدفع بالإمارات الى مغامرتها في اليمن – لا فرق بين أن تكون فكرة اجتياح اليمن هي فكرة MBS أو MBZ أو كليهما بأوامر أمريكية - بريطانية وتشجيع إسرائيلي، فإن المأزق الذي تعيشه الامارات بعد الضربة اليمنية الثانية، وتعيشه من خلفها دول الخليج، يمثل تقدما في الغباء السياسي في الاعتماد على رهانات الصبر التي تمتع بها الشعب اليمني وقيادته السياسية والعسكرية الحكيمة!
بعد الحدثين الأخيرين في دبي وأبو ظبي، نعتقد أن محمد بن سلمان ومحمد بن زايد قد تورطا وورطا الخليج والمنطقة في حرب خاسرة سلفا، ثم انها عبثية على الجانب السعودي الاماراتي الإسرائيلي، وغير عبثية البتة على الجانب والضفة اليمنية، إذ أن اليمن بذلك يوجه رسائله الأمنية والعسكرية والسياسية والاستراتيجية في كل الاتجاهات..
في اتجاه فلسطين وشعبها المضطهد الذي استشعر اليتم في الساحة العربية قبل أن يعود اليمن ليعيد له الأمل، وباتجاه فلسطين ايضا بلحاظ الكيان الإسرائيلي الذي تكويه حرارة نيران نفط الامارات، ويشعر بالصواريخ والمسيرات تصفر في اذنيه، باتجاه أمريكا التي حبس جنودها أنفسهم في الملاجئ ساعة سقوط الصواريخ، باتجاه الشعوب العربية التي لا تحاول الخروج من غرف العناية الفائقة التي أرهقها فيه الربيع العربي، وبالأخص رسائله باتجاه الشعب اليمني الذي يعيش أفراحه المكبوتة ويحبس الموت والقتل مشاعر النصر والقدرة والإرادة..
ثم هي رسالة الى المحور، بعد أن رفع اليمن شعارات الانتماء لمحور المقاومة، محور الفقراء والشهداء والدماء، وهو اليوم يعمد انتماءه بالنار، ويوجه ضربته الى جيب إسرائيلي في الخليج، ويقف في الصفوف الأمامية مع المرابطين على حدود العزة والكرامة والنصر في سوريا والعراق وفلسطين ولبنان وإيران.. فاليمن!
السياسة في ممارستها الأسوأ هي ما يجري في لبنان من ممارسة سلبية الأداء يتوخى منها الحمقى ما عجزوا عنه في الممارسة المتوثبة والمباشرة منذ الانقلاب على سوريا في 2005 عشية الانفجار الذي أودى بحياة رفيق الحريري، الذي نشعر بعد ما حدث ويحدث مع ابنه سعد أن السعودية ليست بعيدة عن عملية الاغتيال الجسدي للأب كما تمارس عملية الاغتيال المعنوي للابن والطائفة!
في 2006 شاركوا بشكل مباشر في الحرب على لبنان والمقاومة، بالسياسة والدبلوماسية والأموال.. والدعاء!
في 2003 استدعوا أمريكا للحرب على العراق، بعد أن تورط 16 من أصل سعودي من بين 19 قاموا بمهاجمة البرجين في أيلول 2001. أحست السعودية وشعرت أنها لا بد أن تقدم واجب الطاعة للأمريكي تبريرا واعتذارا عما حصل في نيويورك.. فكانت السعودية من حينها شريكا في الدم المسلم والعربي في كل حروب أمريكا في المنطقة!
في الحرب على العراق، وعلى سوريا، وليبيا واليمن لاحقا، بأشكال من الحروب تبدأ بقطع الرؤوس ولا تنتهي بالمنشار وكل السيارات المفخخة، والانتحاريين الذي أرسلوا الى سوريا والعراق.. وأخيرا الحرب العبثية - أقول العبثية - على اليمن!
أفتى جمهور العلماء بعدم جواز إمامة الصبيّ للبالغين في صلاة الفرض، وعلّلوا حكمهم بأنّ البلوغ يُعتبر شرطاً من شروط الإمامة في الصلاة. لم يقولوا لنا عن حكم امامة الصبي في السياسة، في النفط والشعوب والأمم..