هشام على خطى باسم

  • article

طلال طه - مونتريال

هشام حداد هو الإعلامي اللبناني الساخر والمحبوب، الذي حقق نجاحات مهمة في السنوات الأخيرة في بـــــرامج الــ " talk show" الفنية والاجتماعية على تنويع سياسي خفيف بمعنى " light politics ".                               

باسم يوسف هو الإعلامي المصري الذي نفى نفسه الى أمريكا بعد انقلاب السيسي وبهتت صورته وضعف صوته وهزل حضوره بعد ان أصبح بعيدا عن هموم الناس ومشاكلهم اليومية، في الجغرافيا وفي السياسة!

ما بين هشام وباسم الكثير من المشتركات الشخصية والعامة، منها ما هو تكويني في الجسد (الوجه تحديدا) والحضور الخفيف الظل، ومنها ما هو مكتسب نتيجة التجربة والجهد وظروف البيئة والمجتمع والفرص المتاحة!

لا شك انه على المستوى الشخصي والحضور والنجاح فإن باسم يوسف متقدم على هشام حداد بسنوات ضوئية، في الشكل والمظهر بما يخدم الكوميديا الساخرة، وعلى مستوى التحصيل العلمي والثقافي، إضافة الى الحضور الذهني السريع والنكتة العميقة والبعيدة الغور المكتسبة من روح مصر وناسها ومجتمعاتها التي تتقن فن النكتة الساخرة المواربة او المباشرة حسب طبيعة الضغوط التي يتعرض لها الشعب المصري!

كذلك، فإن النجاح والصعود التاريخي لباسم يوسف مع بداية الربيع العربي في مصر وما حولها، وملاحقة الناس لبرامج التواصل الاجتماعي ابتداءا، وصولا الى الشاشة الفضية، وفي مجتمع مكثف وفكه مثل المجتمع المصري حيث تزامن صعود باسم على الاعلام مع خروج الناس الى الشوارع في اغلب العواصم والحواضر العربية بما سمي في حينها بـ "الربيع العربي" السيء الذكر..

هذه الظروف والحوادث الكبيرة أوصلت عدد المتابعين لباسم يوسف في سنوات الذروة في عهد مرسي الى حوالي 30 مليون مشاهد أي حوالي ثلث الشعب المصري، عدا الجماهير العربية الأخرى التي كانت تتابعه مباشرة على التلفاز او عبر اليوتيوب!

لم ولن يقدر لهشام ان يصل لهذه الأرقام لمجموعة من الأسباب أهمها ان لبنان ليس مصر، كما ان هشام ليس باسم، والقضايا التي كان يعالجها باسم أكبر بكثير من القضايا التي يعالجها هشام، كما ونوعا وعمقا ودقة، أضافة الى أن تفاعل الناس مع الميديا بدأ بالتراجع بعد أن ثبت تورط الكثير من هذه الميديا في تزوير الاحداث او اخفائها أو صناعة بعضها كما حدث في سوريا مع بداية الربيع العربي المشؤوم!

للذين لا يعرفون باسم يوسف، خصوصا انه اختفى عن الشاشات العربية بعد تجربة قاسية ومرة مع الاعلام الممول خليجيا ورحل الى أمريكا مع عائلته حيث يذيع بعض البرامج باللغة الإنكليزية من منصات مختلفة ومتعددة!

النجاح الكبير الذي حققه باسم يوسف هو الحملة الإعلامية الكبيرة والموجهة والحادة والمباشرة على رئيس الجمهورية المنتخب محمد مرسي ممثلا لجماعة الاخوان المسلمين في مصر، وقد تمكن باسم من تحطيم وتهشيم "تابوه" التحريم الذي كان يحيط بالرئيس حسني مبارك ومن قبله أنور السادات، فقد سلط باسم عشرات الحلقات على مرسي وفريقه وطريقة إدارة الاخوان لحكم مصر وتمكن فعلا من تمهيد الساحة للانقلاب الذي قام به السيسي لاحقا حيث كان باسم قد نال من مرسي بالنقاط، ليأتي العسكر ويضرب الاخوان ومرسي بالضربة القاضية.

بعد انقلاب السيسي ووصول العسكر الى الحكم، حاول باسم متابعة نفس أسلوب "البرنامج" في تناول السيسي وحزبه من العسكر، يقول باسم عن هذه التجربة: ان مرسي والاخوان كانوا حديثي عهد بالحكم، فهم سذج ولربما كانوا يصدقون ان الذي حصل في مصر ديموقراطية اوصلتهم الى الحكم، فسمحوا لي بتناول الرئيس والجماعة، أما العسكر فهم في الحكم منذ 60 سنة..

لذلك أوقفوا كل شيء بعد الحلقة الأولى، وألزموا المحطة بإيقاف برنامجه بعد أن كان قد اتفق مع مدير ال MBC السيء الذكر علي جابر، وفر باسم الى الامارات ثم الى أمريكا.. ولا يزال هناك!

 ما يقوم به هشام عبر برنامجه على محطة "صوت بيروت إنترناشيونال" هو نفس ما قام به باسم مستبدلا مرسي بعون والاخوان بالتيار، ولا تبدو هذه المقارنة بريئة، ويبدو ان الرهان على الفرص التي يمكن ان تحدثها هذه الحملة كبيرا، ولا اعتقد انها – فكرة تقليد باسم في النيل من الرئيس - من بنات خيال هشام حداد او جيري ماهر..  وليست طبعا من ابداعات بهاء الحريري.

فما يقوم به هشام حداد في التصويب على الرئيس عون ومن خلفه وامامه وبين يديه التيار، هو محاولة حقيرة ورخيصة لمحاكاة تجربة باسم يوسف التي نجحت بشهادة واعتراف اعلاميين وسياسيين كبار في مصر وخارجها..

طبعا، التنويع الذي يخرج به هشام في بعض الحلقات في محاولة منه للإيحاء بأنه "يعدل" في التطاول على السياسيين وتناولهم والسخرية منهم ومن أدائهم، هي محاولة ساذجة وغبية ومكشوفة ولا تنطلي على بسطاء الناس من سويي الفطرة، وهو – بالمناسبة – لم يخرج بجملة سياسية مفيدة بعد، خلال حلقاته المتعددة التي تتناول الرئيس والتيار، كل ما هنالك هو أن هناك إحساسا لدى السعودية الجديدة في لبنان يقارب احساسها عشية الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 ودخول الحريري الاب على خط السياسة والمال والخدمات، كذلك فلا بد من تكرار تجربة الخراب فوق رؤوس الجميع ليدخل بهاء من نفس البوابة التي دخل منها رفيق.. انها لعنة السعودية وآل الحريري معا!

لهشام حداد ان يبيع النفس، هذا حقه، وله ان يضع التسعيرة المناسبة، فلكل اعلامي في لبنان ومحيطه العربي، وربما في كثير من دول العالم الحر وغيره، لكل اعلامي سعر، بعض يقبض ثمن قلمه عزا وكرامة في السجون والمعتقلات، او الترحيل عن المنصات الإعلامية الكبيرة، وآخرون يقبضون ثمن أقلامهم وأصواتهم وحضورهم بالريال الخليجي او الدولار الامريكي.. والسوق عرض وطلب وبيع وشراء!

أحاول ان اقتنع ان هشام ليس بهذا السوء لكي يهاجم الرئيس عون بهذا الأسلوب القذر، وليس بقلة الوفاء التي يخرج بها مقابل التيار لكي يتنكر له بهذه الطريقة الرخيصة التي لم تعد تجد فيه أي فضيلة او حسنة!

وليس بهذه السذاجة لكي يهاجم القاضية عون بهذه الخفة وكأنه لا يعرف ماذا تحوي داتا المعلومات في أرشيف شركة "مكتف" وغيرها من الملفات المفتوحة بين يديها!

لكن الذي اعرفه جيدا ان المال الخليجي، السعودي والاماراتي تحديدا، مال قذر بالمعنى القذر للكلمة، فهو لا يرحم، ويريد من مستخدميه ان يخرجوا بأسوأ ما فيهم الى الجمهور (نديم قطيش وديما صادق نموذجان نافران وصادقان في تبنيهم وولائهم لسياسات مشغليهم)، وبذلك يكشفهم عرايا امام بيئاتهم ومجتمعاتهم الى حدود وخطوط اللا رجعة واللا عودة الى الوراء، منبوذين في مجتمعاتهم وبيئاتهم وربما منفيين لاحقا.. كما حصل مع باسم يوسف الذي يتعرض للشمس على شواطئ لوس انجلوس!

نعم، المال الخليجي وقح، والمال الخليجي المراهق أوقح منه، خصوصا إذا كان من النسخة الرابعة او الخامسة من هذه العائلة الملعونة، أو الجيل الثالث بالمعنى السياسي، رفيق الحريري، سعد الحريري، احمد الحريري.. والآن بهاء الحريري الذي يريد أن يجرب هو الآخر في هذه الساحة – العاهرة المنزوعة الشرف!

 حبذا لو نسمع من هشام في حلقة كاملة على التجربة السياسية الموعودة لصاحب خطاب: يا قوم!

إذ في عام 2005 وبعد الانفجار الذي اودى بحياة رفيق الحريري، خرج بهاء الى الناس بخطابه الشهير: يا قوم!

أحسست حينها ان هذا الخطاب يخرج من بطن التاريخ الى قلب بيروت، وشعرت الغرف السوداء أن الرجل لم يخرج من الخيمة بعد، فاستبدلته بسعد، ومررت المحكمة الدولية وما تبعها من افلاس سياسي ومالي لـ “الحريرية السياسية"، أوصل البلد الى ما هو عليه اليوم!

يا قوم.. يقول بهاء عبر هشام حداد في "صوت بيروت إنترناشيونال": إنني الوريث الشرعي لهذه العائلة، وأن لعنة آل الحريري سوف تلاحقكم.. طالما إسرائيل تعيش خطرا وجوديا!

ملاحظة: بعد التجربة القاسية التي تعرض لها الإعلاميون في تيار المستقبل في التلفزيون والراديو والجريدة، هل هناك ضمانات من بهاء ان هذه الحادثة لن تتكرر.. وأن القذارات التي يتقيأ بها هشام مدفوعة الثمن حتما!