الخيار في الانتخابات لن يكون إلا خياراً واعياً ومسؤولاً

  • article

حسين حب الله - مونتريال

في التحقيق الذي ننشره في هذا العدد من صدى المشرق حول الانتخابات الفدرالية نطرح أسئلة جوهرية على مجموعة فاعلة من العاملين على الساحة الجاليوية، من الذين لهم باع طويل في متابعة الشؤون السياسية على الساحة الكندية. يتوافق الناشطون على مسائل متعددة منها ضرورة المشاركة في التصويت، فيما تتباين المواقف حول تحديد الجهة التي ينبغي أن تذهب إليها أصوات الناخبين من الجالية. 

مما لا شك فيه أن لِلمشاركة في التصويت أهمية قصوى، خصوصاً إذا ما عرفنا أن "للجالية تواجد انتخابي له وزنه في الكثير من الدوائر الانتخابية. إضافة إلى كَون الانتخابات الحالية متقاربة جداً من حيث النتائج المتوقعة"، كما قال رئيس المنتدى الاسلامي الكندي سامر المجذوب. وما يحاول أن يثيره البعض من أن أصواتنا لا تؤثر في بعض الدوائر "هو مقولة مغلوطة"، كما قال الناشط محمد شريف كامل، الذي أضاف أن "نتيجة الانتخابات الديمقراطية لا تُحسَم إلا مع احتساب آخر صوت لأن صوتاً واحداً كفيلٌ بتغيير نتيجة الإنتخابات".

إن الامتناع عن المشاركة في هذه الإنتخابات ـ في التصويت بالحد الأدنى ـ كفيلٌ بأن يبعدنا عن أي تأثير في الحياة السياسية لأن احترام المسؤولين لمطالبنا مرهون بأعداد الأصوات التي نُنزلها في صندوقة الإنتخابات. فالبقاء " على هامش الحياة السياسية دون ممارسة اي عمل سياسي داخلي جدي، أفقدها وزنها الإنتخابي وبالتالي قدرتها على المطالبة بالحقوق من خلال أداء الواجبات"، كما قال الناشط السياسي لبيب فرج الله، سيما إذا لاحظنا أن "نسبة مشاركة الجالية في الانتخابات ضئيلة إذا ما قيست بجاليات أخرى، كما أكد البروفيسور نور القادري.

من هنا لعل أكبر تحدٍ لنا هو أن نخرج في العشرين من هذا الشهر أو قبله الى المراكز الانتخابية لنضع ورقة خيارنا في صندوقة الانتخابات، كتعبير علني وصريح مفاده أننا معنيون بهذه الانتخابات وبما ستفرزه من نتائج ستكون لها انعكاستها لسنوات عديدة قادمة، طالت أو قصرت.

إذا ما استطعنا أن نسجّل حضوراً قوياً في هذه الانتخابات بعد خروجنا بأعداد كبيرة، سواء صوّتنا لهذا الحزب أو ذاك، فلا شك سيكون لهذا الخروج دويٌّ مسموعٌ عند أهل القرار وستتردد أصداؤه في الدوائر السياسية كافة، عند من يريدنا أو من لا يريدنا ولا نريد أن نصوّت له، ما سيدفع أي حزب يحتاج إلى الأصوات الانتخابية ـ وكل الأحزاب تحتاج اليها ـ إلى أن يحسب للجالية حساباً، أسوة بأي جالية أخرى يخطبون ودها في زمن الانتخابات وقبلها وبعدها، حرصاً على أصواتها وطمعاً بدعمها.

إن كل حديث عن مطالب لجالياتنا داخلية كانت او خارجية و"هي تعيش على هامش الحياة السياسية دون ممارسة أي عمل سياسي داخلي جدي" لا شك سيحُول دون تحقيق أي مطلب مهما كان محقاً وواقعياً. فالمصالح هي التي تتحكم بالسياسة والسياسيين، فلا يوجد أي التزامٍ عند الكثيرين منهم طالما أنه لا يؤثر على حجم الدعم الذي يتلقونه منا أو من غيرنا.   

بعد التسليم بضرورة هذه المشاركة يقف أمامنا سؤال أكثر إحراجاً حاول تحقيقُ صدى المشرق الإجابةَ عليه وهو لمن نعطي هذا الصوت، سيما إذا سلّمنا أنه "من المحال أن يُطلَب من الجالية أن تصوّت في اتجاه معين، فهناك توجهات وتيارات لِلأحزاب المختلفة في صفوف الجالية، من المحافظين وصولاً إلى باقي الأحزاب"، كما قال الناشط علي ملاح. لقد تحدث المشاركون في تحقيق جريدتنا عن معايير عامة للخيار بين الأحزاب المختلفة، منها أن يكون "الحزب في موقع متفهّم لحاجات جاليتنا الحالية والبعيدة الأمد وحقوقها". لكن كان هناك شكوى من "الأحزاب التي تعطيك القليل بيد وتأخذ أكثر من ذلك بكثير، بما فيه التربعُ على سدة القرار باليد الأخرى، وتطلق العنان لشعارات رنّانة أو لسياسة إنتخابية محض"، بحسب فرج الله. فإعطاء صوتك لمن لا يستحق "يُفضي الى أن يضعك بعض الأحزاب في جيبه الصغيرة وأن لا يأبه لآرائك أو تطلعاتك، وهذا ما حصل مع الأسف مع الحزب الليبرالي"، كما قال القادري.  

أجمعت الغالبية على عدم الفصل بين مواقف الأحزاب الداخلية على كبير أهميتها وبين المواقف الخارجية على تنوعها فالأمر "لا ينفصل. فالمواقف المبدئية لا تتجزأ، ويجب أن نقيّم الأحزاب والمرشحين وفقاً لمواقفهم، لا أقوالهم"، كما قال كامل، وهو ما أكده ملاّح الذي رأى أن "الحكومة المنتخبة إن كانت لا تولي أهمية لقضايا العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص داخلياً، فلن تكون عادلة وحرة على المستوى الدولي".

في الخيارات يسجّل للحزب المحافظ أنه الاسوأ في مواقفه من القضية الفلسطينية، فالحزب يقف بشكل مطلق مع الإحتلال الإسرائيلي مهما بلغ عدوانه وحشيةً على الفلسطينيين، فيما كان الحزب اللبرالي أقل وقوفاً إلى جانب إسرائيل كما جرى في خلال عدوان غزة، فقد حاول إرضاء الطرفين حين أراد "أن يساوي بين المُعتدي والمعتَدَى عليه"، كما يرى الكثيرون في جاليتنا.

أما حزب الكتلة الكيبكية فهو "فَقَدَ سبب وجوده وأظهر حقيقة موقفه من الأقليات ومشاركته المباشرة في تعميق التفرقة العنصرية"، كما قال كامل. وسياسته واضحة في الداخل من ناحية دعم مواقف حزب التحالف من أجل مستقبل كيبك في ما يخص الجالية الاسلامية داخلياً. ومن ناحية أخرى تبقى حظوظ الحزب الأخضر معدومةً فضلاً عن مواقف رئيسته من القضية الفلسطينية. أما حزب الشعب فإن مواقف هذا الحزب من المهاجرين وحدها تكفي كي لا يُمنَح أصواتهم وأصوات غالبية المواطنين الكنديين، المؤيدين للمهاجرين.

لكن كان هناك تباين واضح بين الذين قابلتهم صدى المشرق في تحديد الجهة النهائية التي يمكن اختيارها على لائحة التصويت وهو أمر يمكن النظر إليه بايجابية. فقد ترك الخيار بين اثنين فقط هما: الأحرار والديمقراطيون.

كان هناك من يؤيد التصويت للأحرار كتصويت استراتيجي وكتدبير استباقي لِصدِّ المحافظين عن الوصول إلى السلطة ـ وهو منطق يتبنَّاه كثيرون في الجالية ـ سيما أن احتمالات تشكيل الديمقراطيين ضئيلة. لكن د. عاطف قبرصي اعتبر في مقابلته مع صدى المشرق أن"التخوّف من وصول حزب المحافظين لا يعني بالضرورة التصويت لحزب الأحرار". وفي الوقت ذاته كانت هناك دعوة إلى ضرورة توجيه رسالة في المناطق التي تكون فيها نتائج الفوز للأحرار مضمونة بحيث تتوجه الأصوات إلى الديموقراطيين الجدد كتعبير عن الامتعاض من سياسة اللبراليّين تجاه قضايا خارجية وكذلك داخلية، وكتأييد للحزب الديموقراطي لمواقفه الأخيرة، التي تبنّاها المؤتمر العام الذي عقده الحزب هذا العام في أوتاوا، والتي انعكست في مواقف رئيسه جاكميت سينغ دعوةً إلى وقف مبيعات الأسلحة الكندية إلى إسرائيل الصيف الماضي في أثناء العدوان على غزة والشيخ جراح، الذي أدانه سينغ بشدة.

من ناحية أخرى، لا يعنينا كثيراً أن ينتمي المرشح إلى الجالية إذا لم يكن منسجماً معها وإذا لم يكن صوتها لدى الحزب الذي ينتمي إليه. فبعض من النواب من أبناء الجالية أكثر ما يعنيه هو مصلحته الخاصة وقضايا الجالية خارج قاموسه" كما قال مجذوب. ما يعنينا هو أن يكون المرشح قادراً على أن ينقل إلى المسؤولين السياسيين ما تطالب به الجالية سواء في الداخل أو الخارج.

هل سيكون العشرون من أيلول يوماً جديداً يحمل تطوراً في الوعي وتحملاً أكبر للمسؤولية؟ فالجالية "تقوم بعمل جيد ولكن هناك دائماً مساحة للأفضل.فالجالية في وضع أفضل مما كانت عليه منذ ثلاثين سنة، وهي تساهم في تقوية النسيج الاجتماعي الكندي وفي تطور البلد"، كما قال النائب سمير زبيري في مقابلة لنا معه ننشرها في هذا العدد.

لكم الخيار وهو لن يكون ـ إلا كما عهدناكم ـ خياراً واعياً ومسؤولاً، مدركاً لحاجتنا إلى حضور أكبر ودور فاعل وخيار مدروس.