الشيخ زنكو دافنينو سوا

  • article

د. علي ضاهر ـ مونتريال

 تَحَيُّز القضاء عامل فاعل في كل أرجاء العالم. حتى الدول المسماة "ديمقراطية" او "متقدمة" او تلك التي يتمّ فيها الكلام عن الفصل الصارم بين السلطات تبرر لحكوماتها التدخل في عمل القضاء بحجة: المصلحة العامة. هذا ما فعلته انكلترا حين رفضت المحكمة العليا تقديم طوني بلير للمحاكمة بسبب دوره في الحرب على العراق بعد ان طلبت الحكومة من المحكمة عدم النظر في القضية او حين أغلق وزير الدفاع البريطاني التحقيقات في انتهاكات جنوده في العراق دون محاكمة وذلك في تناقض لإعتراف بريطانيا بارتكابهم جرائم ضد عراقيين. او كما فعلت فرنسا في قضية جورج عبد الله، الموجود في سجونها رغم مرور نحو 20 عاما على انتهاء مدة محكوميته، وحصوله على حكم بالإفراج إلا أن السلطات القضائية رفضت إخلاء سبيله بطلب سياسي.

 اما بالنسبة لكندا والولايات المتحدة الامريكية فهذه بعض الأمثلة:

 كندا

1) لأسباب سياسية تتعلّق بالمصلحة الكندية العامة تطلب السلطات السياسية من قضاة عدم إصدار أحكام بحق أشخاص او سجنهم وفق "نظام الشهادات الأمنية" الذي يسمح لها بإعتقال أشخاص دون تهمة وذلك بتقديم أدلة سرّية في جلسات استماع مغلقة لا يسمح للمعتقل أو لمحامييه بحضورها. فتحت بند "أدلة سرية" إحتجزت كندا العديد من العرب دون تهمة أو محام.

  2) ضمن الصراع بين الصين والولايات المتحدة إنصاعت كندا سياسيا لطلب جارتها وقامت بإعتقال المديرة التنفيذية لشركة هواوي. وهذه ليست قضية قضائية بل سياسية، بدليل الطريقة التي انتهت بها. إذ بعد التسوية بين واشنطن وبكين قامت قاضية كنديّة على الفور بإطلاق سراحها.

 3) ضغط رئيس الوزراء على القضاء لإبعاده عن استجواب شركة "إس إن سي-لافالان" الهندسية الكندية المتورطة مع عائلة القذافي.

 4) إدراج ساسة كيبيك "لشرط وقائي" ضمن بنود القانون 21 الذي يحرّم المحجبات من ممارسة وظائف معينة بحصره لقرار تحديد الحقوق الفردية في يد الحكومة منتهكا بذلك قانون الحريات الأساسية وحقوق الإنسان المنصوص عليهم في مواثيق كندا وكيبيك، ممّا يدل على سيطرة الحكومة والسياسة على القضاء.

الولايات المتحدة الامريكية

 1) تضرب الولايات المتحدة بسيوف محاكمها وسهام قضاتها لخدمة مصالحها السياسية والاقتصادية وتعتمد على قوتها في جميع المجالات لتنفيذ أحكام محاكمها على العالم. فكم من عقوبة فرضت محاكمها على دول لمعارضتها سياسات أمريكا، وكم من قرار صدر عن قضاتها بإعتقال اشخاص لإعتبارهم مضّرين بمصالحها، فصادرت أرصدة وسجنت أفرادا بناء على أحكام  صادرة بحقهم لإعتبارات سياسية ترتكز على أكاذيب او شبهات اوتكهنّات!

 2) في الولايات المتحدة صراع قوي ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻌﻴﻴﻨﺎت اﻟﻘﻀﺎﺋﻴﺔ، سببه قرارات القضاء المسيّسة والتي تهدف الى خدمة ﺗﻮﺟّﻬﺎت اﻷﺣﺰاب السياسية مما يدل على ﻣﺪى تحكّم الإﻋﺘﺒﺎرات السياسية في ﺗﻮﺟّﻬﺎت اﻟﻘﻀﺎء وﻗﺮاراﺗﻪ. ففي "ﻗﻀﻴﺔ ﺑﻮش ﺿﺪ ﻏﻮر" في إﻧﺘﺨﺎﺑﺎت عام ٢٠٠٠، سمحت المحكمة لبوش بتولّي الرئاسة وذلك لوجود خمسة قضاة جمهوريين، كان قد عيّنهم الرئيس الأسبق جورج بوش الأب، صوتوا من منطلق سياسي بحت لصالح ﺑﻮش الابن.

3) الولايات المتحدة حكمت على السلطة الفلسطينية بدفع تعويضات لضحايا "هجمات فلسطينية" بينما لم تصدر ردود فعل أمريكية على قضية راشيل كوري، المواطنة الامريكية المدافعة عن حقوق الإنسان، التي داستها الجرافات الإسرائيلية في مدينة رفح ولم يتحرك القضاء الأمريكي للدفاع عنها رغم ان هناك دعوى رسمية أقامها ذويها أمام المحاكم كما ولاذت الخارجية الأمريكية بالصمت في هذه القضية. فلو تمّ قتل مواطن أمريكي في لبنان لقامت قيامة المحاكم الأمريكية، كما أقامت القيامة على اعتقال "فاخوري".

 4) الضغط السياسي الأمريكي فعّال جدا على القضاء العالمي لمنعه من رفع قضايا على الجيش الإسرائيلي وقادة إسرائيل. فمنذ القرار الذي اتخذته المدّعية العامة لمحكمة جرائم الحرب "فاتو بنسودا" بفتح تحقيق ضد إسرائيل لارتكابها جرائم حرب ضد الفلسطينيين، عارضت الولايات المتحدة القرار وندّدت به وضغطت على دول اوروبا لمنع العمل به.  

 المضحك هو كلام بعض ساسة لبنان عن فصل السلطات وعدم التدخل بالقضاء في لبنان وذلك لتبرير تصرفات القاضي البيطار الاستنسابية، فتراهم ينشدون التواشيح عن حيادية القضاء ويصدحون بالأهازيج عن إستقلاليته في بلد ينخره سوس التدخّلات السياسية والحزبية والطائفية من رأسه حتى أخمص قدميه. فعن اي حياد يتكلمون وبأي استقلالية يتغنون! لقد فاتهم ان "الشيخ زنكو دافنينو سوا"!

 

الصورة من: /Wikimedia commons Sujit Sivanand

Creative Commons Attribution 3.0