حمّام مقطوعة ميتو

  • article

د. علي ضاهر

 

فرانسوا ليغو يرفض الإعتراف بوجود مؤسّسات ومناهج وقوانين في كيبيك عنصرية او مبنية على العنصرية. فهو "ركب راسه" مستقويا بمواطنين من ذوي أصول فرنسية نفخوا في تجاويف غروره وسَبّحُوهُ في بحر من استطلاعات الرأي تعطيه، شخصيا ولحزبه، أفضلية مريحة في صناديق الإقتراع تسمح له بقول ما يشاء دون أن تتمكن معارضة سياسية من إعادته إلى صوابه.

وفرانسوا ليغو - المستقوي بضعف مناوئيه السياسيين وبخوف ينتاب ذوي أصول فرنسية من فقدان لغتهم ومن أنصهارهم في محيط أنجلوسكسوني - يمثل خشبة الخلاص لفئة مهمة منهم، لذلك فهو يرفض إلقاء تهمة العنصرية المؤسساتية او المنهجية عليهم ناكرا وجودها في المناهج والمجتمع والمؤسسات والقوانين المرعية الإجراء، بالرغم من تعرضه لحملة شنتها المعارضة والصحافة وقوى أخرى تطلب منه الإعتراف بوجودها كونها تؤثر على الخدمات التي يتلقّاها السكان الأصليون والأقليات المتواجدة في كيبيك، كما جاء في توصيات الطبيبة الشرعية جيهان كامل بخصوص وفاة جويس إشاكوان.

إذا بالرغم من الحملة التي تعرّض لها ليغو، الا انه تصدّى لها بقوة، تماما كما كان يفعل منذ بداية حكمه لمقاطعة كيبيك. لكن جديده هذه المرة فتمثل بمجابهة الضغوط بإسلوب الهجوم كأحسن وسيلة للدفاع. لذا فهو، وبعد ان استنزف كل وسائل الهجوم العادية، وقف رافعا بيده قاموس لغة فرنسية ليقول لمنتقديه: تعالوا لنحتكم الى الكتاب ولنفسر معنى "العنصرية الممنهجة او المؤسساتية او النظامية" او غيرها من العنصريات، وهو بهذا يسعى الى إغراق الناس في بحر من التفاسير المتعددة والمختلفة للعنصرية، محوّلا وضع إجتماعي وإقتصادي يؤثر على معيشة الأقليات  الى قضية فذلكة كلامية حول تفسير للمفاهيم، ليس اكثر، جاعلا من القاموس حدا بينه وبين معارضيه، دافعا إياهم الى اللعب على الكلمات، التسلي بها، تفريغها من معناها، لوي عنقها، التجادل والتحاجج حولها، جعلها تقول الشيئ ونقيضه حتى تصبح قضية العنصرية عبارة عن سفسطة وصراخ ومسألة لغوية، الجميع يفسّرها على ذوقه، يشرحها ويوضّحها، فتعمّ التفسيرات ويسود صراخ الناس على بعضهم البعض، لا أحد يكلّف نفسه عناء الإستماع إلى غيره، فينتشر الملل والقرف بين الناس من جدل بيزنطي عقيم، يقتصرعلى كلام دون التزام بعمل على الأرض، فنتحوّل القضية الى برج بابل وتضيع "الطاسة"، ونصبح كأننا في" حمام مقطوعة ميتو". إذ كيف يمكن العيش سوية عندما لا نستطيع حتى الإتفاق على ما تعنيه المفاهيم وتتحول القضية الى شروحات لا إنجازات والى أقوال لا أفعال تساعد على استئصال ممارسات عنصرية مسيئة مزروعة في مؤسسات ومناهج ونفوس ورؤوس؟!