مسبار الأمل والأمل المفقود

  • article

د. علي ضاهر

 إختلفوا حول  قدرة المال وبراعته في الشراء وتجادلوا في أخلاقية وصحّة إستعمال الفلوس لشراء بعض الأمور وتخاصموا حول قابلية اوعدم قابلية بعض الامور لأن تشترى وتباع. البعض قال ان المال ساحر، قادر على شراء كل شيء، بينما البعض الآخر حصر سحره وقيّد قدرته، فقال: بالمال يمكنك الحصول على سرير جميل وفراش مريح وليس على نوم هنيء وعميق؛ بالفلوس يمكنك الوصول الى مناصب مهمة ومراكز رفيعة لكنك لن تشتري لا الإحترام ولا التقدير؛ كما يمكنك شراء ساعة يد ولكن لا يمكنك شراء ساعة تضيفها الى عمرك!

وبالرغم من الاختلاف حول قدرة المال على الشراء وتعداد الأمور القابلة للشراء او تلك العصيّة عليه، وبالرغم من أخلاقية شراء بعض الأمور او عدم اخلاقيته، إلا ان البعض لا تهمه هذه النقاشات ولا يلتفت اليها بل يترك المجال واسعا لأمواله لتفعل فعلها، فيسعى الى شراء ما يقع تحت بصره ويسارع للحصول على ما ينقصه او يشتهيه وكأنه يعيش في عصر شعاره: بفلوسك بنت السلطان عروسك. فبالنسبة لهؤلاء كل الأشياء تباع وتشترى، من الإبرة الى القبّة، من المدح الى الذّم، من الصغير الى الكبير، ومن الحب الى البغض، الى الشرف والعفة والرِفعة!

من المضحك الكلام عن شراء صحف وإعلاميين، فهناك من يعرض قلمه في سوق عكاظ. ومن نافل القول ذكر شراء المثقفين والشعراء والكتاب فهؤلاء "على قفا مين يشيل" كما يقول أهل مصر المحروسة، تجدهم معشعشين في مضارب الخليج الإسمنتية. ولا فضل في الكلام عن شراء العلماء فهذا أمر معلوم ومتاح ومتداول. لكن في المدّة الأخيرة دخلت سوق الشراء والبيع أمور جديدة، برع فيها أمراء وحكام من الخليج. فبعض هؤلاء اشترى صفة المثقف فدفع لاُصدِر بإسمه دواوين وكتب ومجلدات في العلوم وهو منها براء. والبعض الآخر لم يعجبه تاريخ بلده فاشترى ماضيا وتراثا وتقاليد كما واشترى لنفسه نمط حياة فشرع في تقليد الغربيين والتَمثَل بهم فأضاع اصله ولم يصبح غربيا، كالغُراب الذي اراد تقليد مشْيَة الحَجَل، فنِسي مَشْيِتُه! ومن شدّة ولعه بالشراء حاول شراء الأمل، فدفع لعلماء الهند والسند واليابان والعم سام، فجهزوا له مسبارا اطلقوه ليبحثوا له عن الأمل في المريخ. لكن وفي غمرة سعيه المحموم للشراء، لم يقدر على شراء امل الحياة والسعادة لإبنته الشيخة لطيفة التي ارادت هي ايضا إدخال الامل الى حياتها فلم تجده في قصر ابيها، فحاولت الهروب عدّة مرات للتفتيش عنه ففشلت، وهي الان تعيش مسجونة في أقبية قصر مجهز بأجمل المشتريات وأغلاها، تفتش عن امل بعيد عنها بعد الأرض عن المريخ! فيا ليت "مسبار الامل" الذي اطلق نحو المريخ يفتش لها عن أملها المفقود.