ما هكذا تورد الإبل يا غبطة البطريرك

  • article

د.علي ضاهر - مونتريال

انا من الذين كانوا يظنون ان المملكة العربية السعودية أم مصائب المسلمين ومنبع البلاوي التي تضرب منطقة الشرق الأوسط ومسببة لأحزان العرب. وكنت بإختصار أعتقد انها "كالبرد والقِلّة، أساس كُل عِلّة" كما كانت تردّد على مسامعي جدتي رحمها الله. لكن في الأيام الأخيرة تزعزع اعتقادي بذلك الظن لفترة وقلّ إيماني به لبرهة وذلك بعد سماعي لكلام البطريرك في الإحتفال الذي أقيم بمناسبة صدور كتاب "علاقة البطريركية المارونية بالمملكة العربية السعودية" للآباتي انطوان ضو الأنطوني والذي حضرته شلة منتقاة من الوفود السياسية والدينية والحزبية.

لكن بعد تفكير بسيط في كلام البطريرك عدت الى إعتقادي الأول بأن "السعودية كالبرد والقلة اساس كل علة"، لا سيّما وان غبطته بقوله "في الواقع لم تعتدِ السعوديّةُ على سيادةِ لبنان ولم تَنتهِك استقلالَه" يجانب الحقيقة ويسعى الى إظهار السعودية على انها الأم تيريزا التي لم تعتدِ على سيادةِ لبنان ولم تَنتهِك استقلالَه ويريد إظهارها مثالا للمحبة والعفو والمسامحة وان من يضربها على خدها الأيمن تدير له الأيسر. وهذا ما لا يقرّه الواقع بدليل بسيط: إعتقال الحريري وتعذيبه وبهدلته! فأين عدم الإعتداء وأين المحبة والمسامحة في اعتقال رئيس وزراء لبنان! الا يعتبر هذا تعديّا صارخا على لبنان وسيادته وانتهاكا لإستقلاله!

ثم يزيد البطريرك مدحا في السعودية فيقول "لم تَستبِحْ حدودَه ولم تورِّطْه في حروب". وبهذا الكلام يسعى غبطته الى إيهامنا بأن السعودية هي ملاك الرحمة للبنان والحارس الذي يرعاه! فماذا اذا عن دفع المال الوفير لخلق الفتن وتقليب الفئات على بعضها البعض! وماذا عن تغذية الفكر الإقصائي الوهّابي! فهل دفعت هذه الأموال للمساهمة في حفظ وحدة لبنان وسلامة مكوّناته.

وبعد ذلك يغوص البطريرك في الثناء على المملكة قائلا، انها "لم تُعطِّلْ ديموقراطيّتَه ولم تَتجاهل دولتَه". من يسمع هذا القول يظن ان السعودية منبع الديمقراطية وأيكها وملاذها وان كبّ الأموال خلال الحملات الإنتخابية التي كانت تجري في لبنان كانت موجهة أساسا وحصريا لتقوية الديمقراطية وتعزيزها وترسيخها ونشرها لما في ذلك من إيمان بدولة لبنان ووحدته!

ينهي البطرك كلامه بالقول ان عروبة السعودية "بَدت انفتاحًا واعتدالًا ولقاءً". وهو في هذه االجملة يسعى الى تبييض صفحة السعودية وإيهامنا بنضالها في سبيل العروبة المنفتحة والمعتدلة! فهل غبطته يعتقد ان مقاومة السعودية لجمال عبدالناصر وضربها له ووقوفها ضد كل من كان ينادي بالعروبة كان من باب تزمّت عبدالناصر وأمثاله وكرههم للإنفتاح على الآخرين وتكفيرهم لهم وعملهم ضد العرب ووحدتهم وتقدمهم! فما هكذا تورد الابل يا غبطة البطريرك. ام ان وراء اكمة مدحك لها ما وراءه!!!