نَوالُ السَّعْداويُّ بينَ كَيْلِ المَدِيحِ وَكَيْلِ الشَّتائم!

  • article
زعيم الخيرالله - ويندزور
-------------
رَحَلَتْ الكاتِبَةُ المِصْرِيَّةُ يومَ الأَحَد عَنْ عُمُرٍ ناهزَ التسعينَ عاماُ . كانت الراحلةُ كاتبةً وطبيةً وروائيةً ، طرحت قضايا مثيرةً للجدل . واشتبكت في معاركَ مع الازهر ورجال الدين . كتبت أَكثرَ من خمسينَ كتاباً تُرجِمَت الى حوالي ثلاثينَ لُغَةً .
الكتابات التي كتبت بعد رحيلها تراوحتْ بينَ كيلِ المديح بلاحدود ، وبينَ كيلِ الشتائمِ بلاحدود . بينَ منبهرينَ لايَرونَ الاخطاءَ والهَناتِ والتجاوزات ، وبين حانقينَ لايَرَوَن فيها أَيَّةَ حَسَنَةٍ ، بل يرونَها مجمعاً لكل رذيلةٍ .
وهذهِ مُشْكِلَتُنا كَشرقيينَ ، لانجد فيمن ننبهر بهم ونعشقهم خَطأً أَو نَقْصاً ، بل نرسمُ لهم صورةً ورديَّةً ملائكيَّةً لاتنتمي الى هذا العالم الذي يكون فيه كُلُّ البَشَرِ خَطّائينَ الاّ مَنْ عَصَمَ اللهُ تعالى وفي المقابلِ ، اذا كنّا من الحانقينَ لا نجد في مُخَيَّلَتِنا لِمَن نُكِنُّ لَهُم البغضاءَ ، سوى صورة ٍسوداءَ شيطانيّةٍ لاخيرَ فيها .
الكتّابُ الذين لهم موقفٌ من الدين قَدَّمُوا نوال السعداوي كائناً ملائكيّاً بلاخطيئة ، والذي كتبوا بعاطفةٍ دينيّةٍ لم يَرَوا للسعداوي ايَّةَ مَزِيَّةٍ . وانا في مقالي هذا ، احاولُ أَنْ أُقدِّمُ صورةً موضوعيةً للراحلة التي لها مالها وعليها ماعليها . وان كنت كشخصٍ متدين منحازاً الى ديني وعقيدتي ولاأقبلُ من أَيِّ أَحَدٍ أَنْ يطعنَ فيهما .
هذا الاستقطابُ الحادُّ في الرؤيَةِ ، والثنائيّةُ المتناقضةِ في تقويمِ الدكتورةِ نوال السعداويِّ سَبَبُهُ غيابُ المُقارَبَةِ النَّقْدِيَّةِ ؛ لانَّ العملَ النقديَّ عملٌ جليلٌ وليسَ شتائماً ، ولاهو اغراقٌ في المديح.
العملُ النقدي هو : اعطاءُ الشّخصِ مالَهُ وماعَلَيْه ، هو ابرازُ نقاطِ القُوَّةِ والضعفِ في الشخص الذي ننقدُهُ اَو في النَّصِ الذي ننقُدُهُ وفق معايير يحتكم اليها النُقّادُ .
بعضُ المُدافعينَ عن الراحلة السَّعداويّ قالَ: " ان السعداويَّ لم تهاجم الدين ولم تزدريه ، وانما هاجمت المتدينينَ الذين شَوَهوا صورة الدين " ، ولكنَّ كتابات السَّعداويِّ لم تكن كما يقولون ، بل كان للدكتورة فلسفتُها الخاصَّةُ في فَهْمِها للاشياء والتي هي مختلفةٌ عن فلسفةِ الدين .
السيدة نوال السَّعداوي هي التي دخلت في مواجهة مع الازهر بشأن مسرحيتها : ( الالهُ يقدمُ استقالته في اجتماع القمة) ، وهي التي قالت : ( الدين هو تجسيد للعنصرية ) ، ولم تقل المتدينين الذين يشوهون صورة الدين . والسعداويُّ قالت: ( تقبيلُ الحَجَرِ الاسود والطواف حول الكعبة وثنيّة ) . وهي التي قالت: ( الدين والمجتمع يتعمدان تجاهل واقصاء دور المرأة ) ولم تقل رجال الدين ،او الفهم المشّوَّهُ للدين . والدكتورة السعداوي ترى الشرف ينبع من العقل والفكر ولاعلاقة له بعذرية المراة ... وهذا يعني ان المرأة اذا ارتكبت الفاحشة لاتخدش شرفَها في حين ان القران يقول :( وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا). الاسراء: الاية:32.
 ورأيُها في الاجهاض ينبعُ من فلسفةٍ لادينيّةٍ وهي ان المرأةَ يحق لها الاجهاض لانها مالكة لجسدها وهي تتصرف في ملكها . وفلسفة الدين ان المالك الحقيقي هو الله ، فنحن لانملك اجسادنا ولاانفسنا : ( انا لله وانا اليه راجعون) ، واذا كان للمرأة حق الاجهاض لانها مالكة لجسدها ؛ فهل لها حق ازهاق روح جنينها .
واذا كنّا نقرأُ أفكارَ السَّعداويِّ بموضوعيّة فيجب ان نقرأَ هذه الافكار على ضوء ظروف الدكتورة السَّعداويِّ وظروفِ نشأَتِها وطفولتها وتعرضها للختان وهي في عمر الطفولة ، وهذا كان له تأثيرٌ في كتاباتها وتحديها للرجال . وقد انعكس في كتاباتها في " الانثى هي الاصل" الذي لايتوافق مع العلم الذي يرى ان كلا الابوين هما اصل تكون الجنين ، فالجنين يتكون من بيضةٍ وحيمنٍ . يقول الله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ) . الحجرات: الاية: 13. وكتابها الاخر " الانثى والجنس" . وفي المقابل حتى ننصف الراحلة السعداوي لابُدَّ أَنْ نقولَ:  كان لها مواقف من سياسة السادات ، ومن الظلم الذي تعرض له الشعبُ المِصريُُّ ، ولها مقوله : ان الارهابَ الحقيقيَّ هو دعمُ الولاياتِ المتحدةِ واسرائيلُ . 
الراحلةُ طرحت افكاراً وقدَّمتْ رُؤى قد نتفقُ وقد نختلفُ معها ، ونحنُ لسنا قضاةً لنحكمَ عليها ، امرها متروكٌ لقاضي القُضاةِ وأحكم الحاكمينَ والعدل المطلق الذي لايُظْلَمُ في حَضْرَتِهِ أَحَدٌ.