حبْلُ كذِبِكُم قصير

  • article

د. علي ضاهر- مونتريال

 بأمر من الجار الامريكي المتعالي والمتسلط والمتسلبط اعتقلت كندا "منغ وانتشو"، المديرة الماليّة لشركة هواوي، لانها تعاملت مع ايران، يعني لانها كسرت كلمة واشنطن المدمنة على فرض العقوبات. الصين بالمقابل ردّت باعتقال كنديين: مايكل سبافور ومايكل كوفريغ. ثم كان ان توصّلت واشنطن إلى تسوية مع"منغ وانتشو"، فأمرت كندا بإطلاق سراحها. كندا، مثل التلميذ المطيع، إلتزمت بأوامر جارتها المتنمّرة، فقامت قاضية كنديّة على الفور بإطلاق سراح "منغ وانتشو". عندها أفرجت الصين عن الكنديين.

كان يمكن للقضية ان تنتهي عند هذا الحد وان ينتهي معها ظلم طال الصينية "منغ وانتشو" لكسرها كلمة امريكا كما طال الكنديين مايكل سبافور ومايكل كوفريغ كرد فعل على الخنوع الكندي للجبروت الامريكي. لكن الفكر الغربي المتعالي الذي يطبع معظم النخب الغربية ومن ضمها الكندية أبَى إلاَّ أَنْ ان يطل برأسه. فقامت قيامة رجال السياسة والمعلّقين والصحفيين على التسوية، وشعروا بأهانة، ليس لخضوع كندا لإملاءات واشنطن، بل لزعمهم ان الصين تطاولت على القيم التي يدّعون انها الأهم والأحسن والأرقى. فراحت النخب تعلّق على تنازل قدمه الغرب المنفتح والحرّ والأخلاقي الى الصين القاسية الظالمة المستبدة التي اعتقلت مواطنين كنديين، معتدية بذلك على عالم غربي بريء، طيّب، محب للسلام، مدافع عن الحرية وحقوق الانسان، بزعامة ملاك الرحمة والمحبة، الولايات المتحدة الامريكية ومن معها مثل كندا وانكلترا وفرنسا وغيرها من الدول التي تطلق على نفسها اسم العالم المتحضر، وهو، حسب رأيهم، عالم ابتلاه الله وأوقعه بمعاناة وأجبره على التحمّل والتعامل مع دول متوحشة تعسّفية كارهة للحرية والسلام ولحقوق الإنسان، كالصين وروسيا مثلا.

لو سلّمنا جدلا مع النخب الغربية المتغطرسة والقائلة ان الصين قامت بعمل تعسفي جائر ظالم بعيد عن قيم الإنسانية وحقوق الإنسان وانتهكت القوانين العالمية بإعتقالها شخصين كنديين. فماذا يمكن القول عن تصرفات البلدان الغربية بقيادة امريكا! وهل هي القيم الغربية التي تنادي بها هي التي دفعتها الى: سرقة خيرات العالم، وحرق مدن اليابان، وتفتيت العراق، وقتل عشرات الالاف من البشر، وهدم افغانستان، ومحاصرة مئات البلدان وتجويع شعوب بأكمالها، وحجز ومصادرة أموال وممتلكات الغير، وبيع أدوات القتل! وهل هي تلك القيم التي دفعتها الى إبادة سكان امريكا الأصليين وتمييز عنصري بحقّ السكان السود واللاتينيين وإنشاء غوانتانامو وبوغريب وباغرام، وإرسال المسيّرات التي تقتل دون محاكمة وتمييز بين مذنب وبرئ، وإقامة أوطد العلاقات مع أسوء الحكام، وزرع مئات القواعد العسكرية في مختلف ارجاء المعمورة، وتقديم الدعم الثابت لمغتصب محتل على الرغم من قرارات الأمم المتحدة!

 فبعد أحداث ايلول- سبتمبر التي تحجج بها الغرب لشنّ هجوم عالمي نمّقه بشعارات برّاقة وإنسانية، انكشف زيفه. فقد شهدت تلك الفترة، الممتدة من ذلك التاريخ المشؤوم، الذروة العالمية لسيادة قيم ظن انه رسخها لدى من لا يفكّر مثله تارة بالقوة وبالعقوبات وتارة بالتواطؤ والتآمر والرياء وتارة اخرى بالحروب ناعمة والمتوحشة. فالفواجع التي انتهت بها حملاته على أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا والتصرفات الحالية المقيتة ضد باقي دول العالم او حتى داخل معسكره وبين أعضائه تبعث على الشك والريبة بعلاقته مع الآخرين وبصدق نواياه وتدعوه الى التوقّف عن الإعتقاد بأنه قادر على الاستمرار في فرض ما يريده. فلا الاقوال المنمّقة والمعسولة، ولا التلطّي وراء القيم الجميلة والسامية، ولا التفوّه بشعارات حقوق الانسان والحرية والمساواة والعدالة ولا اللجوء الى الحروب قادرة على إقناع الآخرين ودفعهم للتماهي معه. فالعالم لن يصبح غربيا، لأنه الغرب يستعمل كل هذه الاساليب والشعارات بهدف التغطية على السرقة والنهب والإخضاع والقتل! فكفى صراخا واتهاما للغير وقليل من التواضع وبعض الخجل، ايتها النخب. فقد انكشفتم. أَلَيْسَ حبل الكذب قصير!