تحية طيبة  وبعد... ثورة لبنان تقتل جماهيرها

  • article

 غسان عجروش ـ مونتريال

 في 17 تشرين الأول اجتاحت لبنان موجة من الاحتجاجات استنكارا لتردي الأوضاع المعيشية في لبنان . في البدء نالت هذه المظاهرات العفوية المحقة تعاطفا كبيرا ومشاركة واسعة من كل أنحاء الوطن ومن كل فئات الشعب الذي يتوق الى بلد معافى سياسيا واقتصاديا ومعيشيا وأمنيا...الخ ، الثورة أو التحركات الشعبية بدأت بأخذ منحى طال المواطن وتحركاته ومعيشته أكثر مما طالت السلطة وحاصرت المواطنين الذي هم من المفترض أن يكونوا سند هذه ( الثورة ) ونارها ونورها . حاصرتهم في الطرقات ومنعتهم من أشغالهم ومن مستشفياتهم ومن عياداتهم ومن اطبائهم ومن لقمة عيشهم .

 اذاً خسرت هذه ( الثورة ) عددا لا بأس به من مدادها  وشعلتها والكثير من شعبها ونسائها ورجالها وأطفالها وأطلق عليها البعض اسم ( ثورة قطاع الطرق )، أي خسرت جيشها الفاعل وجنودها الحقيقيين ،  وتضاءل التعاطف معها بشكل أو بآخر.  ومن  جانب آخر لم يحدث أن قامت حركة ثورية بضرب نفسها واطلاق النار على رأسها مثلما فعلت  ثورة 17 تشرين اللبنانية. معظم الثورات في عالمنا العربي على وجه الخصوص تواجه بالرصاص وبالعنف المفرط وبالاعتقالات  انما هذا لم يحصل في لبنان الى حد ما  وهذا عائد الى وجود مساحة من الحرية والى تفاعل من هم في موقع القمع ( الجيش- الشرطة ) مع الشعب الذي هم منه وهو منهم وكلاهما يعاني من هذه الأوضاع المعيشية المزرية .

 انما المفارقة أن ما يسمى بالثوار قد أوقعوا أنفسهم بشرك أعمالهم ومعظم الذين سقطوا قتلى (شهداء ) خلال هذه الاحتجاجات كانوا على يد ( الثوار )  أنفسهم   من خلال قطع الطرقات حصرا ومنعهم من الوصول الى أعمالهم أو بيوتهم ان كان في الجنوب أو في الشمال أو في أي منطقة من المناطق.

في الأسبوع الأول  من الاحتجاجات قتل حسين العطار وهو اول شهيد للحراك الشعبي بعد محاولته مساعدة الناس المتوجهة الى المطار على يد قاطعي طريق المطار. وفي 14 تشرين الثاني سقط صريعا علاء أبو فخر وهو أول الضحايا اثر شجار مع شخص مدني تبين بعد أنه ضابط في الجيش اللبناني أراد العبور على الطريق الجنوبي من بيروت أي الحادث لم يكن نتيجة أمر عسكري أو قمعي. وفي  25 تشرين الثاني من العام 2019 أي بعد شهر واحد قتل حسين شلهوب وسناء الجندي على طريق الجنوب بعدما ارتطمت سيارتهما بحاجز اسمنتي وضعه ( الثوار). وبعدها نفس العملية وقعت على طريق جدرا التي أودت بحياة خالد الغور. وآخرها وليس آخرا سقوط الشابين الياس مرعب ونعمة نعمة اللذين توفيا على إثر اصطدام سيارتهما بشاحنة مركونة في وسط طريق أوتوستراد شكا. المراقب يجد أن كل ضحايا الثورة قضوا بسبب قطع الطرقات ولم يسقط أحد منهم على أبواب  محاربة السلطة والفساد . لبنان ليس كغيره من البلدان في شيء حتى في التفاهم على الثورات وبمفهومه للفساد ، ثوار اتوستراد الدورة  مثلا لا يحملون نفس شعارات ثوار طريق الجديدة أو الجية وهلمّ جرا ...انما في غير مكان من العالم يتماسك الشعب على هدف واحد وإرادة واحدة وفي معظم الأحيان تحصل النتيجة المرجوة في التغيير .

في عام 1986، شارك الملايين في العاصمة الفلبينية مانيلا في مسيرات سلمية في الثورة التي حملت اسم "قوة الشعب"، ولم تمر أربعة أيام حتى سقط نظام ماركوس.

 في عام 2003، أجبر سكان جورجيا الرئيس إدوارد شيفرنادزة على الاستقالة، عقب ثورة الورود التي اقتحم فيها المحتجون البرلمان حاملين في أيديهم زهورا دون إراقة قطرة دم واحدة.

 وفي شهرنيسان عام 2019، أعلن كل من الرئيس السوداني عمر البشير والرئيس الجزائري بوتفليقة التنحي عن السلطة التي ظلا ممسكين بزمامها لعقود، تحت ضغط الحراك الشعبي السلمي.

وفي مطلع شهر شباط المنصرم حدث انقلاب عسكري في ميانامار استلم بموجبه الجيش البلاد وعين القائد الأعلى للقوات المسلحة الجنرال مين أونغ هيلنغ، رئيسا مؤقتا للبلاد، بعد اعتقاله الزعيمة المدنية أونغ سان سوتشي وجرى نقل مسؤولية "التشريع والإدارة والقضاء" إلى مين أونغ هلاينغ. الاحتجاجات العارمة والمحقة كالتي في لبنان لا يختلف على أهدافها اثنان انما تبقى ناقصة نتيجة تفرق الرؤية الى الوطن والزعيم وحتى مفهوم الوطن .إيريكا شينوويث، الباحثة في العلوم السياسية بجامعة هارفارد، تؤكد أن العصيان المدني ليس خيارا أخلاقيا فحسب، بل ثبت أيضا أنه أكثر قوة وفعالية بمراحل من جميع أشكال الاحتجاج الأخرى في تشكيل المشهد السياسي العالمي. وقالت إن معيار نجاح حركة التغيير هو قدرتها على تحقيق جميع أهدافها، ولا تعد الحركة ناجحة لو أطيح بنظام الحكم في أعقاب تدخل عسكري أجنبي. ويتنافى مع سلمية الحراك إلقاء قنابل أو وقوع عمليات خطف أو إتلاف البنية التحتية، أو أي إضرار بالأشخاص أو الممتلكات. وهو ما يقوم به المحتجون في لبنان من تكسير للمتلكات الخاصة من مطاعم وبنوك ومحلات واشارات سير ..الخ. تعتبر شينوويث إن  مجرد بلوغ عدد المشاركين الحقيقيين المواظبين إلى 3.5 في المئة من إجمالي عدد السكان، فإن نجاح الثورة يتحقق لا محالة.

في مشاهدة شخصية للثورة والثوار نستخلص أنها لم ولن تصل الى نتيحة وهي على هذا النحو من التفرقة في الأهداف والوسائل. والاهم من هذا كله نظرة الجميع الى بناء الوطن  وكيفية ادارته في المستقبل . هذه ( الثورة) لم تنتج قائدا نظيفا حتى اليوم انما متسلقون وحالمون بسلطة ستنتهج نفس النهج الحالي بفارق الأسماء . فكيف لتاجر وصاحب مختبر ورئيس مستشفى وصاحب مركز انساني فاسد أن يسعى الى وطن نزيه ؟ رأينا كيف يخزّنون المواد الغذائية في عز الجوع والحاجة وكيف يزورون فحوصات كورونا وكيف يعاملون المسنين والأطفال في المراكز وكيف يموت المواطن على باب مستشفى لانه فقير وكيف يقدمون الوجبات المنتهية صلاحيتها والسلسلة تطول .