كندا والكَيْلُ بِمِكْيَالَيْنِ

  • article

د. علي ضاهر

 الكيل بمكيالين سمة رئيسية من سمات عصرنا. يلجأ إليها الأفراد بتفكير او بعدمه وتمارسها الجماعات بوعي او بدونه، وتعتمدها الدول بقصد او بغير قصد في معاملاتها مع مواطينها وتعوّل عليها بهدف وغاية في سياستها مع الدول الأخرى، فتمدح دولة وتذمّ اخرى على نفس السلوك وتصطف الى جانب فلان وتبتعد عن علتان لذات التصرف وتقف الى جانب المعتدي حينما يناسبها، وتعمل اذن من طين واذن من عجين عندما يتعارض الوقوف الى جانب المظلوم مع مصالحها. فبالنسبة للناس والجماعات والدول، ليس الجميع أبناء تسعة ولا كل الأصابع مثل بعضها البعض ولا الكل "في الهوا سوا" ، بل هناك ناس ودول بسمنة وناس ودول بزيت، وهناك ناس ودول أبناء ست وناس ودول أبناء جارية. البعض يمدح إبن الست ويلوم إبن الجارية على نفس التصرف ويصفق لدولة الأكابر ويقاصص دولة الجواري على ذات السلوك. فإزدواجية المعايير وإصدار الأحكام وعكسها على نفس الموضوع عادة ما تتحكّم به الأهواء وتتلاعب به المصالح.

معظم الدول، او بالأحرى كلها، تطبّق مبدأ الكيل بمكيالين والوزن بميزانين. لكن ما يهمنا هنا هو الموقف الكندي الذي لو نظرنا اليه لتوصلنا الى نتيجة لا تتناسب مع تصريحات المسؤولين حول ان "كندا بلد سيادة القانون" وان "نظام العدالة الكندي لا يخضع لتدخّل سياسي". وهذه بعض الأمثلة: كندا تطالب بإدانة روسيا على خلفية الأزمة الأوكرانية معتبرة أن ما تقوم به هو إحتلال غير أخلاقي وغير شرعي ويمثل إنتهاكا للقانون الدولي، لكنّها بالمقابل لا تحرّك ساكنا تجاه ما تقوم به إسرائيل من إستيطان وتعذيب وقتل لفلسطينيين بالرغم من ان ذلك يتعارض مع قرارات الشرعية الدولية؛ كندا تعلق تصدير السلاح إلى تركيا بحجّة انها تساعد في الصراع العسكري في إقليم "قره باغ" بينما لا ترى حرجا في إمداد حكام السعودية، الملطخة أيديهم بالدماء، بما يساعد في قتل الشعب اليمني؛ كندا تغضّ الطرف عن إستغلال إسرائيل لسفاراتها ولجمعيات تابعة لها في تجنيد شباب كنديين في صفوف الجيش الإسرائيلي، لكنها تعتبر جريمة اذا قامت بهذا الأمر دولة او منظمة أخرى؛ تضيّق على منتقدي إسرائيل وتصفّق لمنتقدي روسيا والصين؛ تهلّل لمحاكمة أعضاء سابقين خدموا في الجيش السوري لكنها تمنع الإقتصاص من الذين اعتقلوا سكان جنوب لبنان وعذبوهم وقتلوا العديد منهم وذلك بالرغم من ان مجموعة من الذين نجوا من وحشية رجال لحد قدّموا الى السلطات الكندية وثائق وأدلة تثبت ما فعلته بهم سلطة الأمر الواقع المدعومة إسرائيليا.

انها لعبة التَّوازُن الأَزَلِيّ بين المبادئ والقيّم من جهة والمصالح والمنافع من جهة أخرى والتي غالبا ما تخرج منها المبادئ والقيم خاسرة و"مشرشحة"!