السلطة فوق كل شيء

  • article
معن سمحات – مونتريال

من لا يذكر ذلك المشهد للزعيم "عادل امام" في فيلم (الافوكاتو) عندما وقف في المحكمة مدافعاً عن موكله المتهم بالاتجار بالعملة و صاح: من منّا لا يتاجر بالعملة؟ الحكومة تتاجر بالعملة... و إنتهت القضية بتبرئة المتهم و حبس المحامي.

استحضرت هذا المشهد لأطرح السؤال نفسه و إن اختلفت القضية. من لا يتاجر بالكراهية في هذا العالم؟، حكومات و زعماء يتاجرون بالكراهية و التطرف.

ما شهدته الساحة الكندية مؤخراً خلال الفترة الانتخابية من اعتداءات على بعض المرشحين و كلن ابرز المُعتدى عليهم رئيس الوزراء جوستان ترودو و قد وصل الامر الى التهجم و لو لفظياً على متطوعين فقط لانتمائهم لهذا الحزب او ذاك.

ربما يرى المجتمع الكندي ان هذه الاعمال فردية و لا تبت للكنديين بأي صلة بإعتبار ان الكنديين مسالمين بطبيعتهم، و لكن الملفت للانتباه امران، الاول ردة فعل السياسيين الباردة التي بدت و كأن الامر لا يعنيهم، و خاصة ان البعض اعتبر ان الامر يخص الخصم فقط. فكان موقفهم للاستهلاك الاعلامي، كما لو انهم يخشون من دخولهم نقاش قد يُفقدهم بعض الاصوات الانتخابية لدى فئة معينة في بعض المقاطعات.

الامر الاخر هو وصول هذه الظاهرة الترامبية ـ نسبة الى دونالد ترامب ـ الى كندا. فهذا الانقسام و بهذا الاسلوب اسس له ترامب في الولايات المتحدة خلال فترة حكمه من خلال خطابه العنصري، الذي لاقى قبولا كبيرا لدى شعبه. بل تمدد هذا الفكر في ارجاء العالم كالنار في الهشيم، كما لو ان ترامب كان الفتيل الذي اشعل بركان الكراهية الخامد على الكوكب منذ الحرب العالمية الثانية. فبدات الاحزاب اليمينية المتطرفة تستلم زمام الحكم في كثير من الدول و كلها احزاب انعزالية عنصرية لا تتفق فيما بينها سوى على الحرب و الخراب. و قد ظهر جلياً هذا التطرف خلال الانتخابات الامريكية الاخيرة حيث اصبحت البلاد اشبه بميدان حرب يتحضر فيه الطرفان لمعركة الفصل و شاهد العالم اجمع المظاهر المسلحة للمتطرفين يجولون الشوارع الامريكية يتباهون بعنصريتهم ووراءهم كبيرهم ترامب . و انتهى المطاف بوصمة عار كشفت زيف الادعاءات الامريكية حول التحضر و التمدن. و قد سجل التاريخ نقطة سوداء جديدة في تاريخ هذا البلد.

الا ان هذه الظاهرة ليس وليدة اللحظة بل هي مثل الاخطبوط، لديها الكثير من الاذرع و كل ذراع تتلائم مع محيطها. في مقاطعة كيبيك الكندية عام 2013 طرحت رئيسة الوزراء انذاك بولين ماروا مشروع تعديل علمانية المقاطعة لمنع اي مظاهر دينية، سواء كانت مسيحية ام اسلامية او يهودية بعد ان نمت قضية العلمانية بشكل ملحوظ منذ عام 2002 مع الجدل حول التسهيلات المعقولة. الا ان الحملات الاعلامية في كيبيك و التشكيك حول هذه التسهيلات المعقولة و ممارستها و هي فكرة نشأة عن المحكمة العليا لكندا عام 1985 و التي تحظر اي تمييز على اساس الدين او المعتقد و تلزم جميع الاطراف بما فيهم المقاطعات و ارباب العمل على الالتزام بذلك خلقت ازمة في كيبيك ساهم بها بعض المستفيدين سياسيا من اجل السلطة او ربما لاشباع رغبة الكره لديهم. و من هنا كان دائماً التحريض تارة بحجة العلمانية و تارة بحجة الحريات.

مع فشل ماروا و حزبها في الانتخابات و تنحيتها بعد هزيمتها المذلة، ظن البعض ان مشروعها قد انتهى الى الابد و لكن ما فعلته كان طرح الفكرة كمن يرمي بذرة في الارض و مع السنين نمت هذه البذرة و اصبحت شجرة.

مشروع ماروا عاد الى الحياة و لو بعد سنوات، و اصبح اليوم واقعا و إن اختلفت الاسماء و المسميات.

عندما يتحول العالم الى امم متطرفة انعزالية و تتسع الهوة بين طبقات المجتمع و لا تحكم العالم سوى رؤوس الاموال و شركات العمالة التى ترى ان بيع السلاح هو اهم مصدر للمال و الربح السريع، وعندما تتغلب على الفقير قبل الغني النزعة القومية و التطرف و يعتبر الحرب طريق الحياة، يُصبح العالم على عتبة عام 1914 و لكن في زمن اخر اكثر اجراما و دموية.