في ذكرى مجزة مسجد كيبك : الحياد ضعف ام خجل

  • article

معن سمحات - مونتريال

بالعودة في الذاكرة الى الوراء و تحديداً الى تموز 2006 إبّان الحرب على لبنان و ما شهدته تلك الحرب من مجازر بحق المدنيين ، كان لكندا نصيب من تلك المجازر. إذ فُقدت عائلة باكملها من اصول لبنانية و اثنين من قوات حفظ السلام. و خلال مراسم العزاء الذي أقيم في مونتريال تخليداً لارواح الضحايا، حظيت تلك المراسم بتغطية اعلامية كندية فرنسية و انجليزية و كان للحضور نصيب من التغطية الاعلامية. و في مساء ذلك اليوم لفت انتباهي حينها التقرير الذي أعدته مراسلة TVA عندما قالت انها لم تتمكن من اجراء اي لقاء مع اي من ابناء الجالية. و رجحت السبب لخجلهم للظهور في الاعلام و عدم اعتيادهم على كاميرا التلفزيون.

مرّت السنوات و توالت الاحداث التي تخص المسلمين من التوصيات المعقولة الى قضية النقاب والحجاب ثم التضييق على المسلمين في عهد المحافظين وصولا الى الاعتداء الجسدي كالعمل الارهابي في مسجد كيبيك او عملية الدهس بحق عائلة مسلمة في اونتاريو. و قد تطلب الأمر دائما الظهور اعلاميا او عبر المؤسسات الحكومية لشرح وجهة النظر و الدفاع عن النفس و المعتقد الديني سواء افراداً او جمعيات مدنية او مراكز دينية. و لم تدخر الجالية عموما في كامل كندا اي جهد للحد من ظاهرة العنصرية و العنف ضد المسلمين الكنديين.

من هذا المنطلق و مع تزايد حملة الكراهية ضد الجالية المسلمة، اضف الى ذلك تقصير السلطات الحكومية بالقيام بواجباتها، توّلد شعور باليأس لدى المسلم. فهو يرى انه مواطن غير مرحبٍ به وان هذه البلاد ليست فعلاً تلك البلاد التي صورها له الاعلام في السفارات قبل الهجرة اليها. و بالرغم من مجهوده الكبير للاندماج في المجتمع الكندي و تخطي الصعوبات، يكتشف لاحقاً ان الحكومة التي يُفترض انها وُجدت لمساعدته لتحصيل حقوقه وتلبية متطلباته هي التي تساهم في ازمته. فيشعر تلقائياً انه مواطن من الدرجة الثانية و يتصرف على هذا النحو و تتغير نظرته فتصبح سلبية. و اعظم مشاكله يكتفي بأن يدير لها ظهره، فهو لا يكترث لمن لا يهتم لامره و لا يلجأ لقانون يعلم مسبقاً انه لا ينصفه.

و مع ذلك نحن كمسلمين حياتنا ليست دائما وردية و احياناً لا تُسلب منّا حقوقنا بل نهملها لدرجة اننا نتخلى عنها عند اول منعطف، فيتنامى ذلك الشعور الذي طالما سمعته: "اتوا بنا الى هنا لنعمل لديهم حسب رغبتهم فقط"

هذا النوع من السلبية مرفوض بالمطلق و هذا الكلام غير واقعي، لان المهاجر المسلم او الكندي المسلم حقق نجحات كبيرة على كافة الاصعدة و وصل الى اعلى المراكز و اندمج في المجتمع الكندي و ساهم في تطويره. و للاسف كل هذه النجاحات لم تشفع الى الان للجالية المسلمة الكندية في عيون المجتمع الكندي، بل تزداد الصعاب و التحديات. و في المقابل لا نسمع سوى الكثير من الجعجة و القليل من الفعل، فما اكثر من تصريحات الحكومة من تنديد ضد عمل عنصري او استنكار و ادانة لعمل ارهابي. ثم ما تلبث تنسى او تتناسى لتُعيد الإدانة و الاستنكار بعد كلِّ حادث او اعتداء.

اليوم و بعد الذكرى الخامسة لمجزرة المسجد في كيبيك، أريد طحناً و لا أريد جعجعةً، أطلب المساواة في بلد يحكم بالعدل، فلا ارغب ان يشعر احد ان الباطل يترعرع في احضان العدل بسبب انعدام المساواة بين ابناء المجتمع الكندي، فالعدل وحده في هذه الحالة لا يكفي و الحلقة المفقودة هي المساواة في تطبيق القانون الواحد على الجميع ليسود العدل.

هذه الرسالة ليست للقراء فقط، بل هي لرئيس الوزراء الكندي و حكومته الموقرة و البرلمان ، موالاة و معارضة و مستقلين.. ايها السادة الكرام، أليس من المضحك ان اعيش تجربة التهميش و اللامساواة في مقاطعة لطالما عانت من نفس الازمات. ولا غريب في هذا الكلام لان التاريخ سجّل بين طيّات صفحاته هذا النوع من الطغيان في هذه البلاد.

اليوم، لا بدَّ من وضع النقاط على الحروف و يجب الفصل في هذا الموضوع.

كندا وطن كباقي الاوطان، تتكون من مؤسسات منها مدنية و اخرى عسكرية، قائمة على تكاتف ابنائها من المحيط الى المحيط ، و المسلم الكندي مثله مثل اي كندي، لديه حقوق و عليه واجبات يقوم بها بأكمل وجه. تجده اينما كان، في سوق العمل الحكومي و الخاص، القطاع الصحي، المالي و التعليمي و عندما يطلبه الجيش للدفاع عن البلاد فهو من الاوائل الذين يلبون النداء، لامتلاكه حسا وطنيا كبيرا.

في كبرى المدن الكندية، وصل المسلم الكندي الى اعلى المراتب الوظيفية وشغل اكبر المناصب و تميز بالإبداع و التفوق في كافة الاصعدة و اهمها جهاز الشرطة من هذه المدن، ناهيك عن قطاعي الصحة و التعليم حدث و لا حرج، اما على الصعيد السياسي فلم يبقى سوى منصبي رئاسة الوزراء و ممثلة الملكة لم يتبوأهما كندي مسلم.

لم يعد مقبولاً الوضع الذي نعيشه كما لو اننا في حالة حرب. و لم يعد مقبولاً الخطوات الحكومية البطيئة الغير فعّالة لمعالجة هذه الازمة و تبعاتها. فنحن لسنا دخلاء على المجتمع الكندي و ارفض ان تعالج الاسلاموفوبيا و العنصرية ضد المسلمين على هذا المبدأ لذلك اطالب بالمساواة مع بقية الجاليات والديانات على التراب الكندي.

خمسة و عشرون عاما لسفاح المسجد لا تكفي و لا تردع لمنع ارتكاب عمل ارهابي اخر ضد المسلمين في كندا. المطلوب هو خطوات عملية لتحقيق العدل في المساواة كي يتكاتف الكنديون و الكنديات معاً من اجل نبذ العنف و العنصرية بكل اشكالهما.

 [email protected]

 
*

الصورة من: wikimedia commons/ Coastal Elite from Halifax, Canada