"القمة الوطنية لمعالجة الكره للإسلام": وعودٌ كثيرةٌ أُطلِقَت وقضايا حساسةٌ أُغفِلَت (الجزء الأول)

  • article

زينب مرعي، صدى المشرق


إنعقاد القمة

سجلت كندا حديثاً أعلى نسبة من جرائم الحاقدين (hate crimes) مقارنة بمجموعة الدول السبع (G7). كما تسببت الجائحة الجرثومية بتصاعد مستوى الخوف والتعصب.

وبعد الاعتداء الذي أزهق أرواح أربعة من عائلة أفضال الباكستانية المسلمة في لندن، أنتاريو (في الثامن من حزيران الماضي)، كرر مسجد لندن الإسلامي وعدد من المنظمات الإسلامية مثل "المجلس الوطني للكنديين المسلمين" و"المنتدى الإسلامي الكندي" الدعوةَ لعقد قمة طارئة للتداول في الواقع الخطير الذي ألمَّ بمسلِمي كندا، خصوصاً في السنوات الأخيرة.

وعليه، في 11 حزيران من العام الجاري، وافق مجلس العموم الكندي بإجماع الأحزاب كلها على الدعوة لقمة طارئة بحضور ممثلين عن الحكومة الأم (الفدرالية) وحكومات المقاطعات والبلديات.

وأقامَ القمة بالأمس "المكتبُ الحكومي لمكافحة العنصرية" (Federal Anti-Racism Secretariat) وأشرفت عليها وزيرة التنوع والشمولية والشباب باردِش تشاغر (Bardish Chagger).

"القمة الوطنية لمعالجة الكره للإسلام" (National Summit on Islamophobia) بدأت ظهراً لتستمر سبع ساعات، وشارك فيها عبر الشبكة العنكبوتية مئات الكنديين من المقاطعات المختلفة.

وقد أجمعَ المتحدثون من جانب الحكومة والجالية على الاعتراف بالتواجد على أراضي "الأمم الأولى" (First Nations)، التي تضم عدداً من المسلمين الكنديين أيضاً.

كما شكروا الحكومة لتجاوبِها، لكنهم نبَّهوا إلى "تعب الجالية من الكلام" وترقّبها "للتغيير الحقيقي".

 

ترودو وتشاغر

أكد ترودو في البداية تضامن الحكومة مع أطياف الجالية الإسلامية في أرجاء كندا، والتزام الحكومة بإدانة ومكافحة الكره للإسلام (Islamophobia) كما كل أشكال العنصرية والتفرقة.

واعتبر أن الحكومة قامت "بخطوات ملموسة في مكافحة الكره للإسلام"، وأيَّدت كلامه الوزيرة تشاغر، التي ذكَّرت بسعي النائب إقرا خالد لطرح المذكرة الداعية إلى إدانة الكره للإسلام في مجلس العموم بالرغم من المعارضة الكبيرة التي واجهتها حينها والتهديدات التي تلقتها.

كما اعتبرت تشاغر أن كندا "تعمل بجدية لمكافحة العنصرية بكل أشكالها، كما فعلت بالأمس في قمة معالجة مناهضة السامية واليوم في هذه القمة".

وتحدثت عن ذكرى الاعتداء على مسجد كيبك (في 29 كانون الثاني من عام 2017) وإعلان ذلك التاريخ يوماً وطنياً لمكافحة الكره للإسلام (National Day of Remembrance of the Quebec City Mosque Attack and Action Against Islamophobia).

وقال ترودو إن الحكومة "ترى وتسمع الناس حين يتظاهرون في الطرقات من أجل دعوةِ المسؤولين الحكوميين للتحرك". كما وعد "بالاستثمار في البُنى التحيتة لحماية المساجد والمراكز الجاليوية من العنف، والتشدد مع المروجين للكره عبر منصات التواصل، ومنعِ نشاط المجموعات اليمينية المتطرفة الحاقدة".

 

الوزيرة لوبوتييه ووكالة الدخل

وزيرة الدخل الوطني ديان لوبوتِييه (Diane Lebouthillier) طلبت من المكتب المشرف على مصلحة جباية الضرائب (Taxpayers’ Ombudsperson) إجراء "دراسة ممنهَجة لمعالجة الإشكاليات مع الجميعات الخيرية الإسلامية".

وجاء طلب الوزيرة لوبوتييه رداً على الشكاوى التي وصلت من المشاركين بشأنِ إجحاف "وكالة الدخل الكندية" (CRA) في التعاطي مع هذه الجمعيات.

لكن آنفر أمِن (Anver Emon)، مدير "معهد الدراسات الإسلامية" ورئيس الأبحاث في قسم القانون الإسلامي والتاريخ في جامعة تورُنتو، تساءَل عن سبب غياب وزيرة المال كرِستيا فريلاند عن القمة، في حين كان يجب أن تحضر للإجابة على هذه المسألة الحساسة.

 

ياسمين زين: "الإعلام سام"

الأستاذة الجامعية ياسمين زين تحدثت عن الإعلام السام الذي يحرض على المسلمين، مشيرةً إلى إضافة إحدى الصفحات التحريضية عبارة "الغُزاة" (invaders) إلى صورة عائلة أفضال التي دُهِسَت ظلماً في لندن، أنتاريو مؤخراً.

ودعت مسلِمي كندا إلى استخدام مجال الإنتاج المرئي (السينمائي) لإيصال بعض الحقائق بشأن المسلمين، التي يجهلها الآخرون، بدلاً من ترك الوسائل الإعلامية الحاقدة تصوِّر الأمور بشكلٍ مسيءٍ للإسلام والمسلمين.   

وهي ستصدر تقريراً عن "صناعة الكره للإسلام" (Islamophobia industry) هذا الخريف. كما دعَت إلى وضعِ المسلمين في المناصب التي تتيح لهم معالجةَ مشاكل جاليتهم، كتوظيفهم في سلكَي القضاء والشرطة وفي اللجان التي تحقق في جرائم الحاقدين.

 

الوزير بلير والرقابة على منصات التواصل

وزير الأمن العام والجهوزية للطوارئ بِل بلير (Bill Blair) من جهته وعد بتوسيع الإستشارات المرتبطة بالتحريض عبر منصات التواصل، كما بالتشاور مع الجالية بالنسبة للإصلاحات المطلوبة في "مخطَّط أمن البُنى التحتية" (Security infrastructure Programme)، وهذا بالتوافق مع اثنين من توصيات "المجلس الوطني للكنديين المسلمين" (NCCM)، كما بمراجعة "قانون الحقوق الإنسانية الكندية" (Canadian Human Rights Act) بالتوافق مع توصية أخرى قدَّمها المجلس.

وقد أقر الوزير بلير بأن "نوايانا الجيدة ليست بالجودة التي يجب أن تكون عليها".

لكن آراء المشاركين انقسمت بالنسبة إلى ضرورة الرقابة على الإعلام ومنصات التواصل التي تروج للحقد، فرأى بعضهم أن هذا سيساهم في التخفيف من حدة التحريض. ويُذكَر هنا أن المعتدي على المصلين في مسجد كيبك، ألكساندر بيزونيت، تأثر بمنشورات برِنتن تارَنت (Brenton Tarrant) المعتدي على المصلين في مسجد "النور" في مدينة "كرايست تشيرتش" (Christchurch) في نيوزِلندا.    

فيما رأى قسم آخر من الحاضرين أن هذه الخطوة لن تُغيِّر شيئاً ما لَم تغير الحكومة سياستها، كأن تتوقف عن معاملة الجميعات الخيرية الإسلامية بهذا الشكل، وتُبطِل القانون الواحد والعشرين. ورأى آخرون أن لا بد من التوقف عن معاملة شعوب العالم الأخرى بفوقية، وبالسلبية التي يُصوَّر بها الآخرون - كالروس والشيوعيين مثلاً - فكل هذا في نهاية المطاف يشحن الأجواء بالكره والعصبية.

 

القانون الواحد والعشرون

أغلب المتحدثين من الجالية الإسلامية أدانوا إقرار مشروع القانون الواحد والعشرين، معتبرين أنه قانون مُجحِفٌ بحق النساء، وقد ساهم بقوة في تأجيج العنصرية والكره للإسلام، مستغربين كيف سمحت به الحكومة الكندية الأم (الفدرالية)، ومُطالِبين بإبطاله.

نُسَيبة العظم نائبُ رئيس المسجد الإسلامي في لندن تحدَّثت عن الفرص التي فقدتها النساء المسلمات بسبب هذا القانون التمييزي. كما أُدين القانون لأنه وضع الكثير من المواطنين، خصوصاً المحجبات، في الدرجة الثانية.

 

تومَس ملكير: "حرب ثقافية على الإسلام"

على هذا القانون يعلِّق زعيم المعارضة الأسبق في كندا والأستاذ المحاضر في جامعة مونتريال والمحلل السياسي تومَس ملكير (Thomas Mulcair) بالقول: "ندعو النساء إلى القدوم إلى كندا، لأننا نحتاج إلى المعلمات الآتيات من بلاد المغرب العربي – مثلاً – لكننا نعود لنشترط عليهن في ما بعد خلع حجابهن مقابلَ احتفاظهن بوظائفهن في كيبك، ما قد يجبرهن على التوجه إلى المقاطعات الأخرى. هذا ما يحدث في كندا في القرن الواحد والعشرين"! وكلام ملكير ورد من قبل (في ندوةٍ أميركية مشتركة أُقيمَت في منتصف كانون الأول من عام 2020 للتداول في التغيّرات المتوقعة في كندا والولايات المتحدة بخصوص الحدود والهجرة).

وهو أيضاً أشار إلى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كان أعلن قبل أسبوع من الندوة الكندية الأميركية "مجموعةً من الخطوات التشريعية التي هي أشبه بالحرب الثقافية على الإسلام، والقانون هنا في كيبك يماثل ذلك".

كما يتساءل ملكير: "هل نستقبل المهاجرين الوافدين حصراً بسبب قيمتهم الإنتاجية، أم أن هناك قيمة إنسانية أساسية يجب أن توجِّه قراراتنا"؟ وهو يشير إلى "ضرورة فهم الشعبوية (populism) الطاغية على السياسات الحالية، إن كانت في فرنسا أو في كيبك، أو كما كانت في إدارة ترَمب.. علينا أن ننتبه انتباهاً كبيراً كي نتمكن من مجابهة العصبية التي غالباً ما تشكل الأساس للشعبوية، فتؤدي إلى المشاكل التي نتحدث عنها".

معرض الصور