حادثة عنصرية بحق أحد المسلمين في مقهى "سْتاربَكس" في مونتريال: ماذا كنت ستفعل لو كنت حاضراً؟

  • article

زينب مرعي، صدى المشرق

 

"وقف الضحية في قلبِ مدينة مونتريال متعرِّضاً للسخرية بسبب لغته الانكليزية في وقتٍ تواجد فيه ثلاثون أو أربعون شخصاً في المقهى، فلِمَ اكتفَوا بالجلوس؟!

كان ينبغي إبداء شيءٍ من التضامن مع الضحية، فمن الواضح أنه  لم يكن أبيضَ البشرة"...

يقول مواطن كيبكي مهتم بالشأن العام إنه "يريد لفتَ نظر الجاليتين الإسلامية والعربية في كندا إلى حادثةٍ تنمّ عن الإستغلال العِرقي والإستعلاء على المهاجرين في محيط جامعة "كونكورديا" في وسط مونتريال".  

وقد فضَّل الباكستاني الكندي المسلم الذي تحادث و"صدى المشرق" أن لا يكشف اسمَه، لذا سيُستَخدَم مصطلح "المواطن النّبيه" في هذا المقال للإشارة إليه.

 

الحادثة المونتريالية

"مررت بهذه التجربة المؤذية في الثالث والعشرين من أيلول في حرَم جامعة "كونكورديا" التي تضم عدداً كبيراً جداً من الطلاب العرب، بينهم اللبنانيون.

وأنا جالسٌ في مقهى "ستاربَكس" (Starbucks) استهدَف سَاقٍ (barista) في المقهى زبوناً من المهاجرين الحديثي العهد بكندا، واستغلَّ عِرقيتَه وأذلَّه أمام الجميع. أدركت حينها أنني سأندم إن لم أتحرك، وفي قرارة نفسي علِمت أن عليَّ تكليف خاطري باتخاذ الموقف المناسب، وانتهى بي الأمر وأنا في موقفٍ دفاعيٍّ في المكان".

 

حادثة أميركية مشابهة

تظهِر صفحة "تويتر" التي يستخدمها هذا الباكستاني الكندي المسلم اهتمامه الكبير بالقضايا الاجتماعية والإنسانية، وهو يقول إن عليه "التكلم عن هذه الحادثة كَونَ فروع "ستاربَكس" تتواجد بكثافة في كل مكان، فإن كنتم في زيارة إلى مكة، ستجدون واحداً من مقاهي "ستاربَكس" فور خروجكم من المسجد الحرام... فروع الشركة في كل مكان، لكن إحمرَّت عليها العين – كما يُقال – بسبب حوادثها العنصرية وتعصبها".

فعلياً، في السادس عشر من نيسان من عام 2018، عُومِل بقساوةٍ رجلان أسوَدان كانا ينتظران رفيقهما في أحد مقاهي "ستاربَكس" في مدينة فيلادِلفيا الأميركية. وقد نشرت حينها الكاتبة والناشطة ميليسا دي بينو (Melissa De Pino) شريطاً مصوَّراً انتشر سريعاً وتسبب بغضب كبير. وأفادت دي بينو أن "الشرطة استُدعِيَت لأنَّ الرجلين لم يطلُبا شيئاً، وقد أُخرِجا من المكان مكبَّلَي الأيدي لأنهما عملياً لم يفعلا شيئاً. كل البِيض يتساءلون لِماذا لا يواجهون الموقف نفسه عندما يتصرفون بالطريقة ذاتها".

في اليوم التالي، أعلنت شركة "ستاربَكس" أنها ستُقفِل أكثر من 8,000 من فروعها في الولايات المتحدة عصرَ التاسع والعشرين من أيار من ذلك العام "لتدريبِ الموظَّفين على تفادي الانحياز ومنعِ التمييز العِرقي" في مقاهي الشركة. وأضافت الشركة أنها ستدرِّب قرابة 175,000 من موظَّفيها الشركاء في أرجاء الولايات المتحدةوأنها ستعتمد التدريب ذاته عندَ ضمِّ الشركاء الجدد إليها. 
(https://twitter.com/missydepino/status/984539713016094721?ref_src=twsrc%5Etfw%7Ctwcamp%5Etweetembed%7Ctwterm%5E984539713016094721%7Ctwgr%5E%7Ctwcon%5Es1_&ref_url=https%3A%2F%2Fwww.inquirer.com%2Fphilly%2Fnews%2Fstarbucks-philadelphia-arrests-black-men-video-viral-protests-background-20180416.html )
(What happened at Starbucks in Philadelphia? (inquirer.com))

"مسألة غير سهلة"

يقول "المواطن النبيه": "هذه كانت مسألةً غير سهلة. تخيلوا كم من المال تجني "ستاربَكس" في يومٍ واحد". بتقديرِ شبكة "BNN Bloomberg" آنذاك تسبب "اليوم التدريبي لمكافحةِ الانحياز بخسارة مبيعاتٍ بقيمة 16.7 مليون دولار أميركي. لكن الشركة كانت لِتخسر كثيراً أيضاً لو لم تتحرك بعد الحادثة". وأضافت الشبكة المتخصصة في مجال الأعمال الكندية أنَّ "مجموعة " Apex Marketing Group" التي تُعايِن قيمة العرض الإعلامي أيضاً قدَّرت خسائرَ "ستاربَكس" بسبب التقارير الإعلامية السلبية بِمبلغ 16 مليون دولار أميركي".  

(https://www.bnnbloomberg.ca/racist-incident-brought-starbucks-16-million-in-negative-press-1.1085051)

من المهم أن يُشار إلى أن شركة القهوة الأميركية الدولية وقعت في إشكاليات أخرى متعددة من قبل، بعضها كان مع السُقاة الموظَّفين لديها.

 

"وَجَب أن أتدخَّل"

يقول "المواطن النبيه" إن الضحية كان في الخمسينات من عمره، مضيفاً: "لو لَم أتدخَّل لدعم ذلك الشخص، لأمعنَ الساقي في الإساءةِ إليه، فهو كان غافلاً أصلاً عمّا يتعرَّض له. علمت حينها أنهم قد يشكونني للشرطة، أو يكذبون، أو يلفِّقون خبراً ما، غير أنني لم أستطع أن أكتفي بالجلوس والإطمئنان لأن سمعتي لم تتضرر...

إذاً فقد ساندتُه وكُنا قبالةَ فريقٍ من الموظفين البِيض والقليل من الزبائن البِيض. من الواضح أن ما بين ثلاثين وأربعين شخصاً تواجدوا في المقهى ساعتها".

يذكر "المواطن النبيه" أن الكثير من الزبائن كانوا عرباً، فالمنطقة يُسكنها الكثير من اللبنانيين والجاليات العربية الأخرى.

"جميع الزبائن انتبهوا إلى المواجَهة الجارية، لكن لم يكلِّف أحدٌ منهم خاطره لِمساندتي والضحية، بل أعرضَ بعضهم عنا، فيما أخذ الآخرون يضحكون، وكأننا كنا نقدِّم استعراضاً لهم!

لا أريد أن أسيءَ الظن وأن أقول إنهم جميعاً جبناء... الساقي كان يحاول إهانةَ المهاجِر بالسخرية من لغته الانكليزية... فلِمَ لَم يعرف أيٌّ منهم كيف يساند المهاجر بموقفٍ دفاعيٍّ؟! لم يملِكوا الجرأة أو المعرفة اللازمة كي يتدخلوا، وكان ينبغي لِغير البِيض أن يتخذوا موقفاً فورياً لدعمِ الضحية".

"عليهم أن يتعلموا كيفَ يبدون الدعمَ من غير إثارة الفوضى والتسبب باستدعاء الشرطة"، والنصيحة من "المواطن النبيه"، الذي يرى أنهم "كانوا يستطيعون اتخاذَ موقف دفاعي مسالِمٍ وإنما قوي ومنطقي، على أن يؤكدوا وجودهم في الوقت نفسه ويُبدوا إلمامَهم بكيفية متابعة المسألة وتقديم الشكوى"...

 

"لا بد من تعزيزِ الإجراءات لِدَرءِ المخاطر"

"الجاليتان الإسلامية والعربية آخذتان في النمو، وكلَّما ازداد عدد أفرادهما انخرطَتا أو شاركتا أكثر في المسائل التي كانتا تتجنبانها من قبل.  لقد جُرِّدَت نساء مسلمات من فرصهنَّ في الإنتخابات  في اللحظات الأخيرة – كما يُقال – لأنهن أَدلَين بآرائهن في بعض النزاعات.

إذاً فمع بدء أي جاليةٍ بالنمو واستكشاف الأحياء أو المناطق الجديدة، يعرِّض أفرادها أنفسهم إلى المخاطر التي لم يكونوا ليتعرَّضوا لها لو لِزموا بيوتهم"، والكلام للكيبكي.

"مع زيادة المخاطر، لا بد من تعزيزِ الإجراءات لدرئها... لا بد لأفراد الجاليتين من تحسين مهاراتهم بالنسبة لحماية أقرانهم من تلك المخاطر. عليهم أن يحددوا الأرقام الهاتفية وعناوين البُرُد الرقمية (e-mails) التي عليهم التواصل مع أصحابها، وعليهم أن يستفيدوا من الأنظمة المَرعية في أميركا الشمالية لتقديم شكاواهم بالشكل الصحيح. إذاً فهُم لا يحتاجون للإنفعال والصراخ، بل لديهم خيارٌ آخر، وإلا فسيُترَك كلٌّ منهم وحيداً في مواقف كهذه"، والتحذير للمواطِن المُقيم في منطقة مونتريال الكبرى.  

"عليكم أن تعرفوا كيف تحالِفون الضحايا. إن شاهدتم شيئاً فقولوا شيئاً... بمتناولكم طرائق منهجية تستطيعون اتِّباعها عند تقديمكم شكاواكم. من غير المنطقي، مثلاً، أن تكون الشكوى لزملاء الساقي المُسيء، فمن الممكن أن يكونوا جميعهم أصدقاء فعليين، وكذلك قد تكون الشكوى للمشرِف المتواجد في المكان مَضيَعَةً للوقت. فعليكم أن تستدلوا إلى طريقة التواصل مع اللجان المُشرِفة في الوكالات التي تنظِّم شؤونَ المطاعم والمقاهي وغيرها من المحلات المقصودة في كندا"، والنصيحة للكيبكي.  

"إحتفظوا بالأدلة والصور. سجِّلوا الأشرطة المصوَّرة (videos)، وحددوا الوقتَ الذي تجري فيه الحوادث، واحتفظوا بإيصالات الدفع والمعلومات المرتبطة بالشهود الآخرين كي تُؤخَذَ إفاداتهم إن تدخلت الشرطة في هذه المسألة أو تحوَّلت إلى قضية قانونية أو إن حدث أي تطوّرٍ آخر. كل ذلك يُحصّل بتثقيف النفس الذي تفتقر إليه الجاليتان الإسلامية والعربية"...

يؤكد "المواطن النبيه" على أننا "نحتاج إلى التعليم الذي يمكِّننا من المدافعة عن أنفسنا وعن المفتقرين إلى القوة أو الأساس العلمي اللازمين للدفاع عن أنفسهم"...

قد يلزم أن يُخصَّص يوم تدريبي في كندا هذه المرة، لكن في الواقع لا بد من فعل الكثيرِ لتغييرِ العقلية الإستعلائية التي لطالَما كمَنَت في كل المجتمعات، حتى في التي تتبجَّح بتطبيق القيَم المتعلقة بالمساواة الإجتماعية.

 
"لم تكُن تجربتي الأولى"  

"لم تكن هذه تجربتي الأولى. فالمسلمون أو العرب الذين أراهم في مواقف كهذه هم الأسرع في الإشاحة بأنظارهم ومحاولةِ الهرب منها. أعتقد أن من الضروري تغيير هذا الواقع"، والكلام مما أدلى به "المواطن" النبيه في حديثه إلى "صدى المشرق".

"الإكتفاء بالجلوس ومشاهدة ما يجري كان عملاً ناماً عن الأنانية. لو اتخذ شخصان أو ثلاثة موقفاً ما ذلك اليوم لوصلَت للموظَّف أو لزملائه رسالة قوية جداً، مفادها أن عليهم التوقف عما يفعلون لأنه سيتسبب لهم بالمشاكل، وقد يتوقعون أن يُواجَهوا باستنكارِ زبائن المقهى إن تكرر هذا الموقف. لكنهم ذلك اليوم كانوا متأكدين من صمتِ الجميع، ولهذا سُجِّلَت الحادثة".

إذاً فهذه هي المعزوفة نفسها: الكثير من الكنديين من المسلمين والعرب التابعين (apologists) يخافون من التحرك في المواقف التي يلزم فيها ذلك لِئلا يُعتَبَروا "غير كنديين" في عالمهم الخيالي، الذي ينعمون فيه "بالهوية الكندية الفاضلة" المتطلبة صمتهم في مواقف كهذه. أتساءَل إن كان الصمت "يحسِّن" هويَّتهم الكندية.