سامر المجذوب لـ"صدى المشرق": مواجهة "الاسلاموفوبيا" تستلزم قرارًا سياسيًا

  • article

صدى المشرق – مونتريال

ينعقد الخميس المقبل في 22 تموز مؤتمر عن "الإسلاموفوبيا" (الكره للإسلام) برعاية الحكومة الفدرالية، بعد أن تزايدت الاعتداءات التي يتعرض لها المسلمون الكنديون في أكثر من مقاطعة، وتحول بعضها إلى اعتداءات دموية راحت ضحيتَها مؤخرًا عائلةٌ في مدينة لندن.

وفيما تترقب الجالية الاسلامية هذا المؤتمر، كان لنا لقاء مع رئيس المنتدى الاسلامي الكندي الأستاذ سامر المجذوب، الذي قدم مذكرة إلى المؤتمر للحديث عن "الإسلاموفوبيا"، التي "باتت شكلًا متطرفًا من أشكال الكراهية تشكل تهديدًا أمنيًا لأمتنا وللتناغم في مجتمعنا الكندي"، كما جاء في المذكرة.

وكان حديث عن هذا المؤتمر والمتوقع منه، فأكد المجذوب في المقابلة على أنه "بات من الضروري أن ننتقل من الحديث النظري عن الموضوع إلى التحرك العملي"، سيما "أن "الاسلاموفوبيا كأيديولوجية (منهجية فكرية) عنيفة متطرفة باتت موجودة وواضحة للجميع".

وإذ لفت رئيس المنتدى إلى "سعي المنتدى في أعوام 2016-2017-2018 لجعل الاسلاموفوبيا مسألة مرفوضة في كندا"، أشار إلى أن "هذا الهدف تحقق إلى حد بعيد، وهذا ما نراه - حتى في الاحزاب اليمينية التي باتت ترفض في صفوفها أفرادًا أو ترفض ترشيحات ذوي المواقف الحالية أو السابقة المشيرة إلى العداء أو الكراهية للإسلام".

وفيما ينعقد بالتزامن مع مؤتمر الاسلاموفوبيا مؤتمر آخر عن العداء للسامية، أكد المجذوب على أن "محاولة ربط موضوع معاداة السامية بموضوع إسرائيل مسألة غير مقبولة". وشدد على اننا "كمسلمين كنديين وكمواطنين، وانطلاقًا من مبادئنا الدينية والعقائدية والانسانية والوطنية، موقفنا واضح ضد كل انواع العنصرية التي تستهدف أي مجموعة انسانية"، لكنه أمل أن لا يتحول الأمر إلى مسالة سياسية".

 

أستاذ سامر، في 22 تموز سيعقد مؤتمر عن الإسلاموفوبيا.. لماذا هذا المؤتمر؟

أتت الدعوة الى القمة نتيجة العمل الارهابي الذي وقع في اونتاريو وأدى إلى استشهاد عائلة مسلمة. لا بد أن نأخذ بِعين الاعتبار هنا ان العمل الارهابي الأخير ليس منعزلًا، بل سبقته أعمال ارهابية متعددة، منها استهداف المسجد عام 2017 في كيبك سيتي، وذبحُ رجل مسلم امام مسجد في إتوبِكو (Etobicoke) عامَ 2019. إضافة الى الكثير من الاعتداءات التي وقعت في مقاطعات آلبرتا، ساسكاتشوان وأونتاريو. المسالة ليست استهدافًا، بل حالة مجتمعية تخلق نوعًا من انعدام الأمن. وهذا الأمر بات واضحًا، فنجد الاعتداءات التي تستهدف النساء المحجبات، منها محاولة قتل أمٍّ وابنتها منذ أيام فقط. فبالتالي أصبحت مواجهة مسألة الاسلاموفوبيا ضرورة وطنية. الأمر الآخر أن الحزب الوطني الديموقراطي دعا الى هذا الأمر، واستجابت الحكومة الفدرالية وكل الأحزاب لهذا الموضوع لِاعتبارات متعددة. وقد تولت وزارة التراث الفدرالية الدعوة إلى المؤتمر حول الاسلاموفوبيا، ووُجهت الدعوات إلى العديد من الجمعيات على المستوى الوطني كالمنتدى الاسلامي الكندي وجمعيات على مستوى المحافظات.

 

ما هو المتوقع من المؤتمر؟

كان واضحًا أنه بات من الضروري أن نتحرك من الحديث النظري عن الموضوع إلى التحرك العملي.

فالاسلاموفوبيا "كأيديولوجية" (كَمنهجية فكرية) عنيفة متطرفة باتت موجودة وواضحة للجميع، بداية من عام 2016 حين اعتُرِف بوجود الاسلاموفوبيا وأُدينَت كل أشكالها من خلال إقرار العريضة التي تبناها المنتدى، التي كانت اللبِنة الاولى لانطلاقة التحرك لمواجهة الاسلاموفوبيا. فالأرضية جاهزة، ولكن المسألة تحتاج إلى القرار السياسي على كل الصعد، وليس فقط على الصعيد الفدرالي، بل حتى على مستوى المجتمع المدني والمؤسسات كافة. المطلوب اتِّخاذ قرار حازم في وجه الإسلاموفوبيا، التي اخذت منحى خطرًا على المجتمع بشكل عام.

المنتدى الاسلامي الكندي قدم مذكرة إلى القمة، وكانت صدى المشرق أول وسيلة اعلامية تقوم بنشرها باللغتين العربية والانكليزية. وستُوزَّع هذه المذكرة عل كل القيادات السياسية والأحزاب الفدرالية والمحلية والمؤسسات. في المذكرة وردت نقاط متعددة يمكن أن تراجعها الجالية عبر هذا الرابط بالعربية : https://www.sadaalmashrek.ca/ar/News/content/3db4e41f-b490-4f94-9fa5-b08d24b4ec5c

وهذا الرابط بالانكليزية: https://www.sadaalmashrek.ca/ar/English/content/bf52716a-cc89-4404-85c7-aa237cd12fb2

باختصار، كل النقاط التي ذُكِرت تلامس مشكلة الاسلاموفوبيا على كل الاصعدة، سواء في وسائل التواصل الاجتماعي، او بالنسبة لِاستهداف النساء والايديولوجية (المنهجية الفكرية) التي تغذي الحقد على المسلمين الكنديين. كما طالبت المذكرة بفتح المجال امام المرأة الكفُؤة في المناصب ومواقع العمل والامتناع عن معاملتها بعنصرية. يضاف إلى ذلك إيراد نقطة مهمة في المذكرة، لعلها تذكر لأول مرة ـ بحسب متابعاتنا ـ هي قضية العنصرية المخفية (hidden discrimination).

 

بالتزامن مع المؤتمر، سينعقد آخر حول العداء للسامية. كيف تقرؤون هذه المسألة؟

عقب الدعوة لمؤتمر الاسلاموفوبيا، أتت دعوات سريعة لُبِّيَت سريعًا لعقد المؤتمر حول العداء للسامية. نحن كمسلمين كنديين وكمواطنين، وانطلاقًا من مبادئنا الدينية والعقائدية والانسانية والوطنية، موقفنا واضح ضد كل أنواع العنصرية التي تستهدف أي مجموعة انسانية، سواء أكانت من الجالية اليهودية، او من جالية المواطنين الإفريقيي الأصل، أو سُمْر/ سودِ البشرة، او غيرهم.

كان ملفتًا ان الدعوة للمؤتمر حول العداء للسامية أتت مباشرة بعد الدعوة للمؤتمر حول الاسلاموفوبيا. ولكن بأي حال نحن من حيث المبدأ، نؤيد أي عمل يساهم في محاربة حالات الكراهية والاحقاد، ونحن ندعمه كمنتدى اسلامي كندي وكجالية اسلامية، دون أي تردد.

 

كيف تقرؤون تعيين اروين كوتلر كرئيس للمؤتمر الخاص بالعداء للسامية، بينما المؤتمر الخاص بالاسلاموفوبيا لم يُعيَّن مسؤول له من الشخصيات البارزة في الجالية؟ 

 

لا نريد ان نتحدث عن ابعاد معينة بالنسبة لسبب اختيار كوتلر مُقابل تفادي اختيار شخصية مسلمة تمثل الحكومة في المؤتمر حول الاسلاموفوبيا. يمكننا القول إن دعوة كوتلر وتكليفه تمّا باعتبار أنه سبق ان كُلِّفَ من قبل الحكومة الفدرالية بشكل رسمي بموضوع تعريف العداء للسامية، بينما لم يكن الامر مطروحًا في وقت سابق على مستوى محاربة الاسلاموفوبيا. قد تكون مواقف كوتلر ملتبسة، سيما ما ظهر منها في المرة الأخيرة، حين قام باعادة نشر تغريدة عن موضوع لأحد الكتاب يشير فيه إلى أن لا وجود للإسلاموفوبيا في كندا، لكنه قام بسحب التغريدة وقدّم توضيحًا عن الموضوع واعتذارًا.

 

هل تتعامل الحكومة بشكل متناسب بين مسألتي العداء للسامية والاسلاموفوبيا؟

دعني أوضح مسألة مهمة. لا يوجد قانون يجرم معاداة السامية والكره للاسلام. هناك قوانين عامة تجرم العنصرية، لكنها قوانين فضفاضة، ولا يوجد قانون معين واضح يقول: إذا قلت كلامًا يُعتبر معاداة للسامية أو كرهًا للإسلام فهذا يعد جريمة. لكن يعتبر الأمر "تابو" (أي ما تعتبره أعراف المجتمع (أو السياسة أو جهة أخرى) من المحرمات) سياسيًا إعلاميًا إجتماعيًا. وهذا ما دعا إليه المنتدى الاسلامي الكندي في المراحل الأولى: أن يُجعل من موضوع الاسلاموفوبيا تابو أيضا، لا مسألَة حرية تعبير. موضوع حرية التعبير مسألة أخرى، ونحن من أشد الناس تأييدًا لها ولحرية العقل والتفكير، وهذا من أصل العقيدة الاسلامية، ولا يختلف عليه اثنان. ولكن هناك بَون شاسع بين حرية التعبير وكلام الأحقاد. كان سعي المنتدى في أعوام 2016-2017-2018 هو جعل الاسلاموفوبيا مسألة مرفوضة في كندا. وهذا الهدف تحقق إلى حد بعيد، وهذا ما نراه حتى في الاحزاب اليمينية، التي باتت ترفض في صفوفها أفرادًا أو ترفض ترشيحات أصحاب المواقف - الحالية أو السابقة - المشيرة لِلعداء أو الكراهية للاسلام. حتى أننا نراها في كيبك في بعض الاحزاب التي قد تستهدف سياساتها الجالية المسلمة وهي تسعى لكي تنفي عن نفسها أن تُتَّهَم بالاسلاموفوبيا.

هذا الأمر لم يكن بسيطًا، فقد عارضت جهاتٌ متعددةٌ بشدة جعلَ الإسلاموفوبيا "تابو" (محرَّمًا من اجتماعيًا). وهذا الأمر - للأسف - حصل حتى داخل الجالية، فقد واجه المنتدى تحديات جمة في بداية الحملة. ولكن الحمد لله أصبحنا الآن في مرحلة متقدمة من حيث أن الأرض جاهزة للتعاطي مع الاسلاموفوبيا، وهي بحاجة إلى قرار وإرادة سياسية حتى يُنفَّذَ الأمر.

محاربة السامية موضوع قديم، له جذوره التي تعود الى الحرب العالمية، فيما مسألة الاسلاموفوبيا جديدة، والمنتدى أول من طرحها عامَ 2010 في خلال زيارة إلى المجلس النيابي قام بها وفد موسع من المنتدى، ومَن سهَّل هذه الزيارة في وقتها هو حزب الكتلة الكيبكية! وعندما قدمنا العريضة عام 2016 بدأت الأمور تأخذ مسارًا مختلفًا.

 

  • كمنتدىوكجالية ما هو موقفكم من العداء للسامية؟ كما محاولات ربطه بالعداء لإسرائيل؟

 

محاولة ربط موضوع معاداة السامية بموضوع إسرائيل مسألة غير مقبولة. تصور لو اعتبرنا أن الحديث عن أي دولة اسلامية كالسعودية وايران والعراق وتونس هو إسلاموفوبيا، فحينها سندخل في دوامة لا تنتهي. هذا الخلط بين الأمر السياسي والأحقاد المكنونة لِلدين اليهودي أمر نحتاج فيه إلى الانتباه والمراجعة. الأمر ملفت للنظر، وهناك محاولات كثيرة تحدث في هذا الاتجاه، ليست هنا فقط، بل في الولايات المتحدة وأوروبا أيضًا. علينا متابعة المؤتمر المتعلق بمعاداة السامية، ونأمل أن لا يتحول الأمر إلى مسألة سياسية. لذا أرجو أن تسُودَ حالة وعي كاملة وأن لا يتحول الأمر إلى مسألة سياسية متعلقة بقضية خارج كندا ليسَ لها بُعد كندي. هذا الأمر سيُتابَع بعد المؤتمر الذي سينعقد في 21 تموز / يوليو.

 

  • ماهو الأنجع برأيكم لمواجهة الاسلاموفوبيا؟ 

 

هناك العديد من الاساليب الناجعة في مواجهة الاسلاموفوبيا، منها أن تكون المواجهة على محورين.

الاول: على الجالية المسلمة أن لا تساوم على هويتها. إخواتنا وإخواننا على السواء - بالرغم من الصعوبات التي يواجهونها - مطلوبٌ منهم أن لا يساوموا على التمسك بهويتهم وإظهارها. فلا تَعارُضَ بين هذه الهوية وبين الانتماء للوطن الكندي في كل المقاطعات.

ثانيًا: الارادة السياسية الحقيقية، يُضاف إليها الموضوع الأمني في مواجهة هذا الحدث. في وقت من الاوقات شهدنا أعمالًا ارهابية رُبطت زورًا وبهتانًا بالإسلام والمسلمين - للأسف الشديد. كان يكفي الإلتفات إلى ما يُنشر عبرَ وسائل التواصل الاجتماعي لمعرفة ما يجري. نتمنى من القوى الامنية ـ وهذا يحتاج الى قرار سياسي ـ  أن تبدأ بالاهتمام بشكل كبير بما يُنشَر على وسائل التواصل الاجتماعي فيتهجَّمُ من خلاله على الإسلام والمسلمين ويُحَرَّض عليهم، ومن خلاله تظهر الأحقاد الدفينة. فقد بات من الواضح - كما لفتنا في المذكرة التي أرسلها المنتدى الى المؤتمر - أن هؤلاء الاشخاص بدؤوا يأخذون من هذه الأفكار المتطرفة أعذارًا وأسبابًا لزيادة الأحقاد والقيام بأعمال الإرهاب والعنف.

هناك أمور أخرى دائمًا كنا نتحدث عنها: على أبناء الجالية ان يكونوا جزءًا من هذا المجتمع، مندمجين به لأن الكثير من الناس يجهلون ماهيةَ الجالية، خصوصًا في المناطق البعيدة، حيث يقع الناس ضحية التشويه الذي يتعرض له الإسلام والمسلمون. 

 

كلمة أخيرة؟

أود ان اشكركم جدًا على الجهود التي تبذلونها، وأنتم سباقون في تغطية أمور الجالية وقضاياها، ولِهذا تأثيره ودوره، لا سيما عندَ متابِعي قضايا الجالية من أصحاب القرار.