خير الدين الأسدي، المجهول قبره يُكرّم في كيبك : " كي لا تتكرر المأساة  "

  • article

صدى المشرق ـ مونتريال
الحدث الذي احتضنته أمس إحدى مقابر مدينة لافال القريبة من مونتريال هو إحياء الذكرى الخمسين لرحيل شخص لا يعرف مكان قبره. قصة موته ودفنه طويلة وغريبة، جاء في بعض تفاصيلها أنه "في آخر أيام حياته ساءت حاله وتفاقم عليه المرض ففارق الحياة .. وصل موظف مكتب دفن الموتى بسيارته التي تحمل جثة لرجل عجوز مبتور اليد ... لا مُشيّعين يرافقون هذه الجثة التي استلمها الحفّار وسار بها بين القبور حتى اختفى". تضيف القصة المؤلمة أنه "اجتمع اصحاب الراحل وقرروا تأبينه في ذكرى أربعينه، وزيارة قبره تكفيراً عن تقصيرهم بحقه، لكن أين القبر؟ لا أحد يعرف المقبرة أو المكان الذي دُفن فيه صديقهم. حاولوا متابعة البحث مع الشاب الذي أوصل الجثة إلى المقبرة لمعرفة مكان قبره، لكنه أبلغهم بأنه سلّم الجثة إلى حفّار القبور، وعاد غير عارف ما فعل الأخير بها."


 هذه الصورة للعلامة الاسدي مهداة من الأسدي إلى تلميذه ناهد كوسا عام 1969

إنه الراحل الكبير خير الدين الأسدي الذي ولد في مدينة حلب عام 1900 و رحل عام 1971 بعد ان ترك لنا إرثا ثقافيا كبيرا من أبرزه  :موسوعة حلب المقارنة (سبعة أجزاء)، الموسوعة في النحو، قواعد الكتابة العربية، تاريخ القلم العربي، أيس و ليس، السماء، ربّ، يا ليل، البيان والبديع، عروج أبي العلاء للشاعر الأرمني أويديك إسحاقيان (ترجمة بالاشتراك)، حلب (الجانب اللغويُّ من الكلمة)، أحياء حلب، أغاني القبة (نفحات صوفية)، عرس الرّها و العديد من الدراسات والمخطوطات.
 

أمس، وبعد خمسين عاما على وفاة الاسدي كان التكريم من خلال وضع حجر تذكاري في مقبرة حمزة الاسلامية، عربون وفاء وتقدير من تلامذته على بعد آلاف الكيلومترات عن مدينة حلب التي نشا فيها وأفنى فيها سنيّ عمره .على رأس من تولوا التكريم وتذكير العالم بهذه الشخصية أحد تلامذته الدكتور المهندس ناهد كوسا. شاركه في الاعداد للمناسبة جمع من اصحاب الخير والوفاء والايادي البيضاء .ممن حضروا التكريم شخصيات سياسية وبلدية وثقافية وإعلامية ودينية وجاليوية.

 

مساء أمس السبت الواقع في 4/9/2021 أزيح الستار في مقبرة حمزه الاسلامية عن حجر تذكاري تخليدا للاديب السوري خير الدين الاسدي. بعد كلمة الترحيب بالحضور كانت الكلمة لتلميذه الوفي ناهد كوسا الذي قال "مشروع اليوم هو مشروع متواضع، لكنه بداية لمشروع أكبر، لجدارية تحمل ذكرى أدباء وكتاب وشعراء ومبدعين .. فوراؤنا ضريح المرحوم عبد الرزاق علوان ، شاعر عراقي عاش معنا وبيننا نحب ان يكون أيضاً على هذه الجدار التذكاري. الحجر ليس فقط للاسدي بل هو مبادرة كي لا تتكرر مأساة شخصيّات كرّست نفسها لخدمة بلدها وتراثها". والأسدي قبل وفاته أوصى بوضع حجر يحمل اسمه " خير الدين الأسدي". تابع الدكتور ناهد كوسا : "هذا المشروع، رغم صغره حاولت ان أُشرك فيه أكبر عدد ممكن من الأشخاص، من كل المشارب والأطياف، حتى لا يكون عملاً فردياً."، ثم توجه بالشكر الى المشرفين على مقبرة حمزة "سماحة الشيخ نديم الطائي والحاج علي الطائي لاستقبالهم وتقديمهم الارض لهذا المشروع، كما حيّا "أسرة ليالي يا مال الشام"، البرنامج الاذاعي السوري الذي بدأ قبل 16 سنة وقدمت من خلاله مؤلفات وآثار خير الدين الاسدي. كما تشكر رجال الإعلام والصحافة سيما الحاج حسين حب الله من صحيفة صدى المشرق والاستاذ جورج سعد من مجلة مصر والعالم العربي.


 

ثم كانت الكلمة للشاعر جاسم دندشي جاء فيها  :

في عينيك يتسيد الشقاء       ويتكىء الفكر حيث تشاء

فمن أين اطربت مسمعي     يجود الحرف فخراً والرثاء

بروضة غنَّاء اسبلت جفنك   والعتمة من يديك تضاء

باعوك بأبخس الدراهم يا     لفكر حين يحكمه غباء

يا سيدي اليوم نعبر معاً       ولا تدانيك نجوم أدعياء

فالدر انت بشطر قلوبنا       وإن شئت أحجية وإنباء

ان كان الرثاء  مواجعنا      وحيث انت ترتقي العظماء  

من لافال إلى حلب طيبٌ    سرى وكلنا لك اوفياء

نم قرير العين يا سيدي       وان تناثر الجسد أشلاء

تمر الليالي كطرفة مقلة      وترتاح هنا الأنبياء

وبعد الخمسين روحك       تجسدت هنا وانجز اللقاء

على العهد يا خير البرايا    بذكراك تضوعت أرجاء

وهنا تباهت بك أحبة        وفيض القداسة حاء وباء

 

ثم تحدثت السيدة عضو بلدية لافال ألين ديب بصفتها مسؤولة عن ملف الثقافة والفنون فشكرت الدكتور كوسا على اهتمامه بالفن والثقافة منذ أمد طويل. واعتبرت السيدة ديب أن "من افضل القضايا التي تبقى عبر التاريخ هي الثقافة والكتابة"، مشيرة الى انه " بعد مراجعة حياة الاسدي وجدت انه مرجعية كبيرة ومؤلفا لاحدى اكبر الموسوعات التي تركت اثرا مهما للاجيال". ولفتت الى انه "لا تزال المؤلفات التي تركها الاسدي موضع استلهام للكثيرين من رواد الفكر وهذا ما يهمنا في مدينة لافال لاننا نشجع الفن والثقافة "، متمنية للدكتور كوسا والمنظمين الاستمرارية والنجاح.   

 بعد ذلك أزاحت السيدة ديب والدكتور كوسا الستار عن الحجر التذكاري.

يذكر انه اطلقت من مدينة لافال - كيبك عام 2014 جوائز سنوية تحمل اسم العلّامة الأسدي لتوثيق التراث الثقافي غير المادي . الاصدار السابع لهذا العام (2021) يغطي مجموعة كبيرة من الفئات لتوثيق التراث في كل من سورية، مصر، العراق، لبنان، الاردن وفلسطين بالاضافة الى توثيق تراث مدن دمشق، حلب، اللاذقية، جبلة. أيضاً، ترجمة التراث باللغات الاجنبية والدراسات العليا (جامعة حلب)، التراثين الارمني و الشركسي، الفنون المسرحية، التصوير الضوئي، التراث الموسيقي، المدائح والأناشيد الدينية، الفنون الشعبية و نقل التراث الى الاطفال.

 
 *لمزيد من المعلومات، تابعوا صفحة "خير الدين الأسدي علّامة حلب"