ندوة الصحة النفسية في الأوقات العصيبة: هل المصاب بالاكتئاب بعيد عن الله؟ وهل زيارة المختص النفسي أمر معيب؟

  • article

هدى شاهين – اوتاوا  

أقام مجلس علماء كندا، ندوة هادفة بعنوان الصحة النفسية في الأوقات العصيبة بمشاركة الضيوف الأعزاء : 
- فضيلة الشيخ علي سبيتي، رئيس مجلس علماء كندا.
- المعالجة النفسية لورين طيراني، الحاصلة على درجة الماجستير في التربية مع تخصص علم النفس الارشادي بالاضافة الى شهادة بكالوريوس في علم النفس مع تخصص ثانوي في القانون.
قدمت الندوة و أدارتها الأخت هدى شاهين.

 الشيخ علي سبيتي


تم افتتاح الندوة بالمباركة بمناسبة ولادة السيدة فاطمة الزهراء (ع) من ثم وجهت الأسئلة الى الضيفين الكريمين.  
بما أن الدين الاسلامي على صلة جيدة مع الصحة النفسية كان السؤال موجها الى فضيلة الشيخ علي سبيتي عن تفسير الدين للاضطرابات النفسية و هل يشجع الدين على مراجعة المختص النفسي في زمن ما زال البعض يعتبر فيه زيارة المختص النفسي أمر معيب؟ فأجاب سماحته "أن وجود الله في الضمير والوعي يشيع نوعا من الإطمئنان الوجودي والنفسي بما يمنح مقاومة أكبر ضد عوارض المحن..... واستدعاء معنى وجود الله سبحانه إلى الوعي بالذكر هو تجديد لإستعادة المعنى والجدوى والسند والدعم والمدد اللانهائي. ومن الآيات التي تشير لذلك المعنى وتصلح مدخلا للعلاج: قوله تعالى: (الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) (الحج:35)، وقوله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد:28) ". كما ذكر سماحته أن "زيارة المختص النفسي ليست ضربا من الجنون ـ كما يدعي البعض ـ بل هي أمر من الطبيعي حدوثه، خاصة اذا كان الاضطراب النفسي شديدا و يستدعي استشارة مختص نفسي. و أحيانا قد نحتاج نحن أيضا الى زيارة مختص نفسي من دون علمنا بهذا الأمر". 
ومن وجهة نظره كعالم دين عن كيفية تفادي التصادم والمشاحنات بين الأهل و الأبناء خلال الحجر أفاد الشيخ سبيتي أن " الإنسان في هذه الحالة ينسى حدوده و يتعداها فيصطدم مع الآخر. و المقصود بالحدود هنا هو أن البيت مملكة الأم و الزوجة في الدرجة الأولى و هي المسؤولة و المدبرة و المديرة، و على الأفراد المتعايشة داخل هذه المملكة الإنضباط بالقوانين التي تضعها الأم .و هي ليست بقوانين صارمة بل تعاون بين الأفراد و ذكر بعض الحلول لهذه المسألة و هي كالتالي :
- عدم تذمر الأبناء او رفع أصواتهم في وجه الأم لأن هذا يؤذيها نفسيا و يشعرها بعدم التقدير. 
- على الأبناء المبادرة بالمساعدة من دون الطلب منهم وأن يكونوا شركاء في التعاون. و بذلك يحصل الأجر و الثواب و هذا تشجيع حث عليه الإسلام لخلق بيئة عائلية و اجتماعية متعاونة ومتضامنة". مشيرا الى أنه "لو كان التوتر موجودا بين جميع الأفراد بسبب القيود الحالية فسيصبح لدينا مكان يسبّب الضجر و الانزعاج و الفوضى. فالتعاون يخفف من التوتّرات النفسية. و من أجل تقديم نموذج عن العائلة التي تتعاون بمحبة و انسجام و هذا يحتاج إتصالا بالله عز وجل. فالإنسان المتدين يبيّن تدينه من خلال أخلاقه و معاملته الحسنة و احترامه". 
و بسؤالنا عن الاكتئاب والخبر الشائع دائما أن المصاب به بعيد عن الله فذكر أن "لهذا التشخيص جوانب عدة. فمن جانب نجد ان الاكتئاب يصدر عن أفكار و تصورات ، منها خوف زائد من الموت ، قلق بالغ على الأبناء و مستقبلهم الخ... و هذا لا يعني أن صاحب هذه المسائل ليس بمؤمن و غير متدين . و لكي لا تتحول هذه المسائل الى مرض دائم ( اكتئاب مؤذي ) مثل أن يصل الانسان الى مرحلة تتعطل فيها فعاليته و يفقد توازنه و ابداعه و عدم التكيف مع المحيطين به و يميل الى العزلة كما ذكر علماء النفس. و بفقده هذه الأشياء علينا أن نلتفت الى أن الاكتئاب لم يعد مجرد مسحة حزن أو حالة متأثرة بظرف معين بل أكثر بكثير من ذلك". و يكرر فضيلته أن هذا لا يعني عدم إيمان المكتئب لأن الإيمان درجات . فيمكننا القول أنه مؤمن لكن يوجد ضعف إيماني معين و تراجع في المسألة الروحية. فيجب الإجابة عن بعض الأسئلة  التي تتضمن شبهات متعلقة بوجود الله و عدله. و بهذا عليه اللجوء الى عالم دين مختص في المسائل العقائدية و الفلسفية. فمن الخطأ ترويج الصورة التحصيلية أن المكتئب لا يؤمن. فتكرار العبادة و ترك الشبهات و طلب العلم يقوي من عزيمته و يجعله يتخلص مما هو فيه. فالإيمان عامل مساعد بالاضافة إلى معالجته من قبل المختصين لتشخيص سبب الإكتئاب". 
كما تطرق الى موضوع أن "للصلاة و الدعاء و التقرب الى الله عز وجل و اللجوء اليه دور مهم في علاج الشدة النفسية عبر التحدث الى الله عن الأفكار المضطربة ، الشكاوى و الشعور بالمظلومية، فالدعاء لا يحتاج الى اذن أو مقدمات ،لأنه  يمكننا أن نصلي أو ندعو الله في أي وقت أردناه. فالله قريب كلما أردنا التكلم أو التحدث إليه، و هذا باب يفتحه الاسلام للعلاج خاصة في الآيات القرآنية . و الدليل على ذلك أن البعض تدبّروا آية معينة وسط حزنهم و تأزماتهم  ، نظروا عميقا فيها و تأملوها فأخرجتهم الى عالم آخر واعتبروها سفينة النجاة التي نقلتهم الى ضفة الاطمئنان ، الاحتساب و التوكل على الله عز وجل. وبمجرد الاستناد الى الله سبحانه و تعالى القوي القادر الحكيم المقتدر الرازق الشافي يزول الخوف من المجهول و الشعور بالوحدة ، لأن الله وفر لنا هذه القوة المعنوية بشرط الاعتقاد بها".
و في سؤالنا الأخير عن تجارب شخصية قادرة على جعل المجتمع يجتاز قيود ڤايروس كورونا نفسيا، دينيا و معنويا ، تحدث سماحته عن "عدة مبادرات حصلت في بعض المدن مثل مساعدة كبار السن في تأمين حاجياتهم ، تحويل الأنشطة و الألعاب من خلال drive through في أكثر من مركز، تعليق بطاقة تهنئة و بعض الهدايا في شهر رمضان ، مقابلات مع الناس لتوجيه كلمة أو تحيات لبعضهم البعض ضمن هذه الأزمة . هذه المبادرات و التجارب تساعد في تخفيف الأزمات النفسية في جاليتنا و مجتمعنا و تساعد في تعزيز الصحة النفسية".

لورين طيراني 


 للمعالجة النفسية لورين إجابات على تساؤلات حول تحديات الصحة النفسية التي تتعامل معها العائلات حاليا حيث أشارت الى أن "حالات القلق من أكثر التحديات الشائعة التي تمر بها العائلات و تتعامل معها. بالاضافة الى أن أكثر المشاكل النفسية تدور حول القلق و التوتر. و قد ازدادت كثيرا وأصبحت أكثر صعوبة بعد جائحة ڤايروس كورونا. و بما أن البلاد تمر بأزمة صحية عارمة في وقتنا الحالي نتج القلق بشكل كبير و هذا ما سبب أفكارا سلبية نتيجة لعدم قدرتنا على التحكم بالبيئة المحيطة بنا و بمشاعرنا. و بذلك فهي تؤثر علينا كوننا كنا قد مررنا بحالة خوف من أن يصيبنا ڤايروس كورونا و عائلاتنا و أطفالنا". و قدمت طيراني حلولا متعلقة بهذا الموضوع و هي كالتالي :  
- علينا أن لا نتقبل هذه الأفكار باعتقادنا أنها حقيقة ثابتة. فالطريقة التي نفكر فيها تؤثر على المشاعر والسلوك كون التفكير والمشاعر والسلوكيات مرتبطة بعضها ببعض.
- إستنادا الى بحوث عديدة ، يتم استخدام تقنية " العلاج المعرفي السلوكي " للمساعدة على التخفيف من حدة الحالات النفسية بما فيها القلق و التوتر".
كما قدمت بعض النصائح لتعرض الأهل للضغوطات خلال فرض قيود فايروس كورونا الحالية و منها :
"- إهتمام الأهل بصحتهم النفسية أولا لأن ذلك يساعدهم باهتاممهم بالابناء.
- امتلاك الوعي والتركيز الذهني والانتباه الى مجرى التفكير لدى الأهل.  
- ضبط التفكير والمشاعر والسلوكيات فهو يؤثر بطريقة صحيحة على تمالك الأعصاب، ومن ثم إعتماد الصبر و استيعاب الأبناء عبر الذكاء العاطفي و التأمل الذهني لعدم الشروع في شجارات بين جميع الأفراد.
- الإعتماد على الصحة النفسية ، البدنية و الاجتماعية للحصول على صحة عامة كاملة.
- تنظيم الوقت عبر تحضير جدول لأداء المهمات مهما كانت بسيطة فهي تساعد في ازاحة الضغوطات النفسية. 
- تقسيم الأدوار بين الزوج و الزوجة في أداء المهمات".
و من وجهة نظرها كمتخصصة في علم النفس أكدت طيراني أن "هناك بحوثا أكدت و برهنت أن الروحانية تساعد على تحسين الصحة النفسية عند المؤمنين بدين معين حتى لو لم يكن المريض مسلما". 
أما بالنسبة الى ما يمكن للأطفال فعله للتعامل مع صعوبات القيود والتكيف معها ،أشارت الى : 
- التأكد من ممارسة النظام المعتمد في المدرسة ( توقيت الدرس ، الرياضة... ) فتغيير الروتين يؤثر على صحتهم النفسية لما يسببه من قلق.
- اعتماد توقيت معيّن أمام شاشة الهاتف أو التلفاز، فالطفل يصبح حبيسا داخل طاقته لكثرة هذا التوقيت.
- تجنب العقاب و تحفيز الأطفال عبر مكافأة ليس بالضرورة أن تكون مادية، و الحث على اعتماد فعاليات عائلية و تحديات بين أفراد الأسرة و التفرغ الى تحديد يوم عائلي لمناقشة الأمور التي يرغب فعلها الطفل في الأسابيع القادمة و التحدث عن مخاوفه و قلقه. و بذلك يشعر بوجود الأهل الى جانبه لمساعدته و الاستماع اليه. 
أما بالنسبة الى الموارد المتاحة للعائلات عند المرور بتحديات صحية وعقلية شديدة فأيدت فضيلة الشيخ بالتوجه إلى الله و قراءة الأدعية بما فيها إستخدام تسبيحة الزهراء (ع) و "هذا ما توصلت اليه البحوث عبر عملية التأمل لما فيها من تسهيل في تخفيف الضغوطات. و من ضمن التأمل الدعاء و التسبيح". وأكدتعلى انه " عندما يتحول الإضطراب الى مرض نفسي شديد ، فعلى المريض التوجه الى أشخاص مرخصين في مجال علم النفس لتلقي العلاج. و بما أن المجال النفسي مرتبط بالصحة النفسية، الاجتماعية، البدنية و الروحية ، فانه عندما يشعر عالم الدين أن المريض بحاجة الى مختص فهو يحثه على ذلك و العكس صحيح بالنسبة للمختص النفسي".  
كما اوردت لائحة عن أهم الموارد الصحية و النفسية لطلب المساعدة في حال إحتاج البعض اليها.  
وبعد طرحها عدد من الحضور اسئلتهم .