الاغتيال السياسي.. سياسة قذرة!

  • article

طلال طه - مونتريال

 

لم يغب عن ساحاتنا في لبنان والمنطقة الاغتيال السياسي ليعود ويتصدر المنابر والشاشات والصفحات والتغريدات مع عملية اغتيال الناشط لقمان سليم!

فعمليات الاغتيال ما فتئت تجتاح ساحاتنا وتمارس بنا وعلينا على كل المستويات وفي مختلف الاتجاهات ولكثير من الأسباب، بشكلها الواضح والمكشوف والمباشر وبأشكال أخرى غامضة وسرية وخفية!

فتعريف "الاغتيال" بما هو عملية قتل منظمة ومتعمدة تستهدف شخصيات ذات تأثير سياسي أو فكري او ديني او عقائدي، يعتبره منظمو عملية الاغتيال عائقا امام مشاريعهم وأفكارهم وأهدافهم المختلفة، لا يكفي للتعريف الاشمل لمفهوم الاغتيال كاصطلاح يستعمل في بعض الأحيان في اطار مجازي للتعريف بأنواع أخرى من عمليات الاغتيال المعنوي التي تتعرض للأفكار والأديان والقضايا والشخصيات الاعتبارية في كل المجالات حيث الاغتيال لا يأخذ بالضرورة شكل التصفية الجسدية الفردية، بل يمكن أن يتضاعف كما ونوعا ليتحول الى عملية اغتيال لقضايا ومؤسسات واقتصاديات شعوب ومستقبل أمم وأوطان!

إذا، التعريف الحقيقي والواقعي لمفهوم الاغتيال السياسي ينقسم الى نوعين: جسدي ومعنوي.

في الجسدي، ونقول في الصغرى، هناك محطات كثيرة عبر التاريخ لها رمزيتها الدينية والسياسية والفكرية والعقائدية والأدبية وغيرها..

ويتحدث المؤرخون عن أول عملية اغتيال تمت في التاريخ هي قتل هابيل لقابيل، ثم توالت بعدها عمليات التصفية الجسدية، خصوصا مع بني إسرائيل حيث قتلوا وقتل بعض ملوكهم وأمرائهم..

وقد تمت مجموعة من عمليات الاغتيال سبقت مولد السيد المسيح (ع)، خصوصا في الصين حيث حصلت اغتيالات عديدة بين امرائهم وعائلاتهم المتصارعة على النفوذ، ومنها أيضا اغتيال الملك الفرعوني توت عنخ آمون بتهمة محاولته تبديل الآلهة بـ "آتون" كإله واحد!

كذلك حصلت اغتيالات عديدة لدى الفرس والرومان، ومع ولادة السيد المسيح (ع) وانتشار المسيحية حصلت عمليات اغتيال عديدة مثيرة للجدل!

ومع انتشار الإسلام توسعت وتطورت عمليات الاغتيال فكان أن اغتيل ثلاثة من أربعة خلفاء بعد وفاة الرسول (ص) الذي تعرض هو بنفسه لعدة محاولات اغتيال باءت بالفشل، فبعد عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب (ع)، تعرض الخليفة الخامس الحسن بن علي (ع) لعملية اغتيال بالسم، ثم أضحى المسرح الإسلامي ساحة لعمليات الاغتيال السياسي والفكري والثقافي والمذهبي التي راح ضحيتها المئات بل الآلاف، وتحول شعار: "ان لله جنودا من عسل على لسان معاوية بن ابي سفيان" الى أمثولة وشعار براق ومتقدم في العمل بالاغتيال السياسي.. ضد الخصوم والمناوئين!

أما في العصر الحديث فقد تم اغتيال خمسة من القياصرة الروس في اقل من 200 سنة، وفي القرنين الأخيرين تحديدا تمت مجموعة كبيرة من عمليات الاغتيال التي لها طابع مؤثر محلي وعالمي كان لها الدور الكبير في تغيير اتجاهات السياسات ومصائر الشعوب والأمم، ويمكن البدء مع اغتيال ابراهم لنكولن في الولايات المتحدة الأمريكية ثم اعقبه اغتيال ثلاثة رؤساء آخرين، وكان الأخير هو اغتيال الرئيس جورج كينيدي المثير للجدل والذي لا يزال غامضا ومريبا حتى الآن.. وفيه أقوال!

الاغتيال الأكثر دراماتيكية في التاريخ هو اغتيال الدوق النمساوي في سراييفو الذي أطلق شرارة الحرب العالمية الأولى، التي ذهب ضحيتها الملايين من البشر والتي أسست للحرب العالمية الثانية التي انتهت بهزيمة المانيا وتحولت الحروب فوق الأرض الى حروب في الخفاء تحت الأرض وسميت لاحقا بـ “الحرب الباردة" التي كانت عمليات الاغتيال الموزعة فوق خريطة الكوكب هي الطبق الشهي فوق مائدة السياسة والايديولوجيا في حركتها!

فعمليات الاغتيال التي تمت اثناء هذه الحرب، نذكر منها وهي كثيرة جدا، بعضها نجح وكثير منها لم ينجح في تصفية الخصوم: اكبر عد من هذه الاغتيالات قام بها جهاز المخابرات الأمريكية والموساد الإسرائيلي، كما ونوعا، منها مجموعة من المحاولات لاغتيال كاسترو وتشي غيفارا قبل إعدامه وسلفادور الليندي، إضافة الى جريمة اغتيال الرئيس كينيدي المتهمة بها المخابرات الامريكية، مالكوم اكس ومارتن لوثر كينغ، وآخرين من الرؤساء والزعماء في آسيا وافريقيا، أما الموساد الإسرائيلي فقد تطول لائحة الاغتيال الناجحة منها والفاشلة، ومنها: القادة الثلاثة في فردان، غسان كنفاني، أبو جهاد، أبو علي سلامة، أبو علي مصطفى، الشيخ احمد ياسين، عبد العزيز الرنتيسي.. وحديث عن تورط الموساد في موت الرئيس ياسر عرفات.. واللائحة تطول!

على الساحة اللبنانية أيضا، شكل الاغتيال السياسي جزءا ومفردة من الحرب الأهلية وما قبلها وبعدها، وقد توزعت شروره في كل الاتجاهات، والقراءة الجادة والرصينة تؤكد وتشير الى دور واضح للموساد الإسرائيلي للعب بحرية وهو مطلق اليدين على الساحة اللبنانية السهلة الاختراق!

وفي الحديث عن الاغتيال السياسي شؤون وشجون وإطالة لا بد منها لا تسمح بها هذه المقالة. وكذلك الاغتيالات المعنوية بحق الشعوب والاوطان والقضايا الكبرى والشخصيات المهمة والمؤثرة لا مجال لها في هذه العجالة أيضا!

وبالعودة الى مفهوم الاغتيال المعنوي الذي كما يصيب الافراد يصيب أيضا الجماعات والأوطان.. والمقاومة المنتصرة على المشروع الصهيوني والمشروع الداعشي الوهابي لن تترك ابدا للاحتفال بهذه الانتصارات، وهي تعرف، وناسها يعرفون أيضا، أن للنصر أحيانا طعم مر أيضا، لكنه ليس مرا بالقدر الذي هو طعم الهزيمة، وقدر هذه العصبة من الذين اسقطوا أسطورة الميركافا أو عربة الرب كما يريدها الإسرائيلي، قدرهم أن يكون يأخذ الاغتيال أشكالا متعددة ومتنوعة منذ عملية اغتيال السيد عباس الموسوي الى الحاج عماد مغنية الى المحاولات الحثيثة التي يقوم بها الاعلام اللبناني والعربي والعالمي لشيطنة المقاومة وسيدها ومجاهديها واغتيالهم جسديا ومعنويا وتسخيف انتصاراتهم وبطولاتهم وشهدائهم وحكاياهم وروايتهم!

واليوم.. دعنا من حفلات الزجل والدبكة والهرج والمرج التي تتصدر الاعلام اللبناني والعربي المأجور والموظف في خدمة الصهيونية والامبريالية، الذي يسبق الأحداث بإلقاء تهمة أي عملية اغتيال أو حادث ذي طبيعة عسكرية أو أمنية أو غيرها، بألقاء التهمة على حزب المقاومة وبيئته وجمهوره..

يتساوى في ذلك، في هذا العبث والفجور السياسي والإعلامي سياسيون واعلاميون متزنون وجادون مع آخرين من المقاولين الإعلاميين وخدم الدرجة الثانية والثالثة في الفنادق الرخيصة، ويتحول الخبر السياسي والأمني والمادة الإعلامية الى عاهرة رخيصة لها سعرها وثمنها وطقوس رخصها وسفالتها!

ورغم كل هذا الضجيج الإعلامي والأثير المفتوح على مداه والصخب والصراخ، لم يتمكن هذا الاعلام من تقديم "جملة قضائية مفيدة" خلال الأربعين سنة الماضية تقريبا في تثبيت تهمة واحدة بأدلة واضحة ومحكمة لها وزنها القضائي وحيثيتها الجرمية على المقاومة ومجاهديها!

طبعا.. بعيدا عن مهزلة المحكمة الدولية في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري التي تنقل فيها ملف الاتهام من النظام السوري الى الضباط الأربعة، وحين فشل الاتهام السياسي في أدائه في الملفين تحول الى اتهام حزب الله في التفافة هزلية لم تقنع الفريق القائم على أداء هذه المسرحية الهزلية. لذلك عمدوا الى تأجيل اصدار حكمهم الأخير.. الى توقيت آخر مشبوه، لتبقى سيفا مسلطا على حزب المقاومة وبيئته لاستنفار الأحقاد المذهبية حين الحاجة والضرورة!

ان محاولة اغتيال المقاومة "معنويا" كمشروع استنهاض وطني وقومي واسلامي وانساني، والتعريف بهذه الايقونة في الممارسة السياسية والعسكرية والأمنية والاجتماعية الفريدة - رغم ملاحظات في أدائها في الملف السياسي الداخلي - وتعميم ثقافتها الأخلاقية على الشعوب والمجتمعات هو الممارسة الحقيقية والثابتة والمؤكدة، محاولة الاغتيال هذه لا تحتاج الى شهود ولا أدلة جنائية وجرمية فهي معلنة وصريحة ومكشوفة بلسان القائمين عليها والداعين والممولين لها، وهم معروفون بأسمائهم وصفاتهم وأوكارهم وألوان ألبستهم الداخلية، ومكشوفون أمام الناس، في الماضي والحاضر والمستقبل!

فمشروع المقاومة الممتد من باب المندب الى الأنبار الى غزة الى حدود فلسطين الشمالية لا يعترضه ويقف في طريقه لقمان سليم، مع احترامنا للرجل وتقديرنا أن موتا عبثيا تفتعله الأجهزة لمحاربة المقاومة بالناس أحياء وأموات لا يخرجنا من حزننا الإنساني وصمتنا أمام رهبة الموت.. أيا كانت وجهته!

نعم.. لقمان سليم وآخرون من قبله (جبران تويني، بيار الجميل، سمير قصير، وليد عيدو..) وآخرون كثر من بعده من الذين فشلوا في تحقيق إنجازات تذكر في الوقوف أمام المقاومة، رغم المبالغ الهائلة التي صرفت لهم وعليهم، فشلوا في حياتهم في الإنجاز. لذلك سيتحولون في مماتهم الى وقود لفتن ومحاولات استدراج حروب مذهبية وأهلية، عل جزءا من الاستثمار فيهم وعليهم يعود على المشغلين بالنفع والعزاء     التعويض بمداواة الفشل بفتح أبواب الجحيم.. على الجميع!

تقاطع الخروج الأميركي من المنطقة ووصول بايدن الى سدة الحكم في أمريكا واحتمالات العودة المؤكدة الى الاتفاق النووي مع إيران مع أثمان باهظة ستدفعها الأنظمة الخاسرة في المنطقة، على رأسهم السعودية وإسرائيل ودول الخليج وبعض الاعراب الذين الحقوا أنفسهم بقافلة التطبيع مع الكيان..

هذه الدول الخاسرة تريد ان تخفف من الاثمان الباهظة التي يراد لها ان تدفعها بالضغط على المقاومة في لبنان باستخدام آخر الأوراق الممكنة لديها، وهم حلفاؤها وأدواتها، وذلك من خلال تسعير نار الفتنة بدمائهم في وجه المقاومة وبيئتها ومجتمعها..

فنصيحتنا للمقاومة في الأسابيع والاشهر القادمة أن تؤمن الحماية الشخصية مجانا لكل معاريضها قبل أن تصل إليهم أيدي الفتنة والقتل.. اللهم احفظ خصومنا من كل سوء!