السلام عليكم : وحده الذي لا يعمل لا يخطىء

  • article

حسين حب الله

في العادة، إن الخلافات تنشب بين المسؤولين بعد تحقيق الانجازات والانتصار بسبب تقاسم المغانم والمواقع. لكن الجالية خرقت هذه العادة، فقد دبّت فيها الخلافات في منتصف الطريق وهي في عزّ الاستهدافِ من قبل الحكومة الحالية في كيبك وقبل تحقيق إنجازات بارزة، ما قد يؤدي إلى إضعاف أي جهود انطلقت في وجه التحدّيات التي تزداد يوماً بعد يوم.

لقد أشرت في عدد سابق ـ سريعاً ـ في معرض التعليق على القانون الواحد والعشرين في الذكرى السنوية الأولى لاقراره إلى أن ما هو أخطر من القانون المذكور هو أن "تتعاطى الجالية باستخفافٍ، مع هذا القانون"، في ظل "تشظي الجهود المبذولة - يُمنة ويسرة، والتنافر والتباعد" بين الناشطين والناشطات "على خلفية لا يمكن أن تقنع أحداً في أسبابها". مناسبة الحديث كانت خلافات ظهرت آثارها في التجمّع الذي أقيم صباح الأحد في الرابع عشر من حزيران الماضي أمام مكتب رئيس الوزراء فرنسوا لوغو وسط مدينة مونتريال، الأمر الذي انعكس واضحاً في حجم الحضور وغياب بعض الوجوه المهمة في الجالية في مثل هذه المناسبة التي أقيمت للتعبير عن رفض قرارٍ يطال الجالية بأسرها، بالخصوص الحلقة الأضعف فيها ـ النساء.

اليوم أعود للحديث عن هذا الموضوع بشكل اوسع بعدما انتشرت تفاصيل الخلاف بين مجموعات كبيرة في داخل الجالية. وبعد ان باءت محاولات عديدة، لِلَملمة الخلافات وحصرها في إطار ضيق بالفشل، رغم تدخل جهات وازنة سعَت لرَأْب الصدع وجبر ما انكسر. وبعدما عُقِد لقاء موسع هنا لدعم هذا الطرف وأُجريت اتصالات هناك لدعم ذاك الطرف.

إن كان الخلاف القائم برز كأنه حول الجهة التي يحق لها ان تدير صفحة الفيسبوك لحملة "لا للقانون الواحد والعشرين" بحيث يبدو بسيطاً ولا يستحق الخلاف، فهو يخفي في طياته بُعداً أكبر، لا بد من تسليط الضوء عليه والحديث عنه رغم المحاذير التي تنشأ من خروج الخلافات إلى العلن ونشرها على صفحات الجرائد. فاليوم لم يعد هناك شيءٌ يمكن إخفاؤه في ظل "ثورة" مواقع التواصل الاجتماعي وبعد أن باتت المسألة على اكثر من لسان، وفي ضوء المخاطر التي يمكن أن يشكّلها التغاضي عنها وتجنب إثارتها أمام الملأ. علّ المعنيين يدركون في أي طريق يسيرون وإلى أي منحدر يتجهون. 

من أبرز الامور التي طفت على سطح الخلافات ما يلي:

- هناك في كل طرف من يحاول أن يستهين بنشاط الطرف الآخر وأن يقلل من حجمه.

- عدم تشاور هذا الطرف او ذاك مع أطراف آخرين والوقوف على رأيهم في مسائل تتعلق بالجالية.

- محاولة طرف هنا ضرب طرف هناك من خلال إقامة نشاط هنا او هناك للمناسبة نفسها في المكان نفسه.

- عدم التورع عن إقحام الذين هم معنا من هم خارج الجالية في خلافاتنا وهو أمرٌ خطيرٌ جدّاً جدّاً جدّاً!!!

- دخول الافتراضات والتكهنات على خط الخلافات لدرجة قد تصل إلى حد اعتبارها أحد أوجه الخلاف. 

- إساءة استخدام السلطة وتحذير ناشطات من العمل في هذه الجمعية او تلك، واتهامات بالضغط النفسي على شابات ناشطات لثنيهنّ عن حضور بعض النشاطات.

- غياب الشفافية في عمل المؤسسات الجاليوية.

- احتمال لعب طرف من خارج الجالية في توتير الأجواء بين ناشطين في الجالية.

هذه الأمور فيها ما هو جدير بالنقاش والمتابعة، ومنها ما هو مجرد مخاوف تتطلب الوقوف عندها وبحثها بشكل معمق بعيداً عن الشخصنة و"الأنا".

إن ما يجري ليس في مصلحة أحد، والكل يدرك خطورة انعكاس هذا الامر بشكل سلبي على كل واقعنا. فقد يطيح بكل الجهود التي بذلت حتى اليوم قبالة القانون الواحد والعشرين والقضايا الأخرى. وهو ما يستدعي من كل الواعين الإسراع إلى تدارك الامر ويتطلب من الحريصين على هذه الجالية ان يدخلوا على خط اصلاح ذات البين، الذي هو "أفضل من عامة الصلاة والصيام". صحيح ان الامور لا ينبغي ان تُحلّ بطريقة تبويس اللحى والقفز فوق الخلافات، على طريقة "ابو ملحم" - الشخصية الفنية المعروفة في لبنان. ولكن حتى تسير الأمور في الاتجاه الصحيح - رأفة بالمتبقين من ناشطين وناشطات في هذه الجالية، وهم قلة قليلة، ورحمة بالواقفين إلى جانبنا من الجاليات الأخرى، ينبغي أن تُعالَج النقاط موضع الخلاف التي ذكرتها ـ وقد توجد نقاط أخرى ـ بالطريقة الصحيحة.

لا بد أولا من وقف أي حملة إعلامية، والمسارعة إلى لقاء مباشر بين المعنيين بحضور أهل الخير، وهم كُثُر. ولْيكن بحثٌ في العمق في كل النقاط موضع الخلافات. ولْتُناقش الملاحظات بعقل بارد وبدافع الحرص على هذه الجالية، التي لن ترحم أحداً إذا ما تُركت وحيدة أمام المنحدر الخطير الناجم عن القرارات الظالمة التي تشجّع على الكره للإسلام الذي يقول المختلفون إنهم يتحدثون بِاسمه ويدافعون عنه وعن المنتمين إليه في كندا.

نعم، هناك أخطاء ترتكب ولكنها ليست محصورة بجهة لوحدها. وهو أمر طبيعي من قبل من يعمل. فوحدَه الذي لا يعمل لا يخطىء. ومن يحمل حرصاً على هذه الجالية لا بد ان يتنازل من أجل مصلحتها. بل من الضروري ان يبادر إلى ان يكون جزءاً من الحل، وليس ممن يصبّ الزيت على النار. 

لا شك ان المختلفين اليوم كانوا قدموا في سنوات طويلة ـ كل من موقعه ـ صوراً رائعة وإنجازات لا تُنسى، كانت تحمل أملاً لنا للخروج من نفق الأزمات المتتالية التي أوجدها المتربصون بنا شراً منذ زمن. وهم اليوم مدعوون إلى الحفاظ على تلك الانجازات والبناء عليها، وإلا فإن البديل معروف والمستقبل لا لبس في أنه قاتم.

لا يجوز ان يكسر احدٌ احداً او يشوه ّصورته او يسيءَ إليه. واذا لم يكن هناك مجال لحلّ بعض التباينات والاختلافات، فليكن الاتفاق على اعتراف كل طرف بالآخر، ولْيكُن تعاون في الساحات المشتركة، وما أكثرها! ولْتُتقاسم الأنشطة ويُتفادى تكرارها حتى لا يضعف الجميع ونترحم على ماضٍ كنا فيه فاعلين ولو بشكل جزئي. 

الرهان على وعيكم كبير جداً.. وأنتم القلة الواعية والعاملة على الساحة.. وأنتم الامل الوحيد، فلا تسمحوا لليأس ان يتسلل إلى واقعنا، وسارعوا إلى حلحلة الامور قبل ان تفلت الأمور من عقالها.