نداء : عن السيد نجيب وأثر طيب لا ينسى

  • article

لعل عددا من الاخوة والاخوات الذين وُفّقوا للتعرف على سماحة السيد نجيب خلف ـ رحمه الله  ـ في زياراته الى الولايات المتحدة وكندا في منتصف الثمانينات ما زال يذكر عالما دينيا طيب النفس هادئ الطبع صبيح الوجه، تنساب كلماته من فمه انسياب مياه عذبة من عين صافية فتقع في صميم قلوب عطشى لحب الله وحب من يحبه وحب كل عمل يقربهم الى حبه. ثم لا يطيل المكوث لان رحلته طويلة ووقته المتاح قصير فيودعنا بكل أناة، رافعا يديه الى السماء داعيا لكل من حوله بالتوفيق والتسديد والرحمة والمغفرة . وفي مؤتمر الجماعة الاسلامية في اميركا يحضر السيد نجيب ممثلا سماحة العلامة الراحل السيد فضل الله فيزداد حضوره ألقا وقلوب وعقول المشاركين حبا واحتراما وتعلقا ، سيما الاخوة الطلبة من البحرين وبلاد الحجاز والكويت والعراق ولبنان. فالعمة السوداء لها قدسيتها ورمزيتها وتاريخيتها ووقعها في زمن تهتز فيه عروش بهلوية على وقع موقفها وبفعل عنفوان وتضحيات جماهير وقعت صكوك الولاء والبيعة بدماء شبابها واندفعت الى ساحات التغيير والانتصار بكل رغبة وشوق لا يحول بينها وبين مرادها الا الموت، الذي لم يعد مخيفا، بل صار قلادة تزيّن أعناق شبّان فدوا الاوطان والاهل والحرية بأثمن ما يملكون .. في ظل هذه الاجواء كان السيد نجيب يخطب ويعلم ويعظ ويدعو ويبلغ ثم يؤمّ الصلاة في بهو الفندق بكل خشوع وخضوع وأنس وطمأنينة تملأ فضاء المكان والزمان ويأخذك طيفها الى حيث تهوى القلوب في فجاج عميقة وبقع مطهرة عتيقة مراتع محمد وأهله الطيبين(ع) وتلامذتهم النجباء الميامين فتنساب دموع الشوق من عيون غابت عنها ملامح الاهل والاحباب والخلان والقباب المشرفة وأزقة الصبا وذكريات لا تهاجر ولا تغادر ، عصية على النسيان. فيتنفس الجمع الصعداء وتعلو الاصوات عقب الصلاة بالصلاة على محمد وال محمد وتتمازج اللكنات لتنشر في الافق عبق الولاية والوفاء وتتشابك الايدي مرددة دعاء الوحدة. والسيد في الصلاة يطيل سجوده ويدنو قيامه من ركوعه وظهره الحاني يجلله لباس التواضع بين يدي الله تعالى فتنبري الجموع وتتزاحم لتسلم على السيد نجيب : تقبل الله سيدنا.. ويأبى البعض الا أن ينحني على يديه النحيلتين ليقبلها ويتبرك منها، والسيد يتمنّع ويأبى. ثم يتوسل شاب من الجانب الايمن وآخر من الايسر وثالث من خلفه ورابع من أمامه أن يختلي بالسيد لحديث خاص او مسألة شرعية ابتلائية والسيد لا يتمنّع ولا يأبى، رغم ملامح التعب البادية على محياه بعد سفر مضنٍ وبرنامج مكثف وهو يكتم آلام مرضٍ مزمنٍ صارعه طويلا ولكن بصمت وروية حتى أودى به قبل أسبوعين بعد عمر حافل بالتقى والورع والزهد والعبادة والتدريس والتأليف، تاركا ذرية صالحة ودعوات صالحات من قلوب احبته ولم تنسَ أثر طيبه الاخاذ من الشرق الى الغرب ثم رقوده بسلام في ثرى عاملة أرض العلماء والشهداء وحسن أولئك رفيقا .           * تصدر عن المجمع الاسلامي في مونتريال