التَّرامبِيَّةُ والآفاقُ المَسدودَةُ

  • article


زعيم الخيرالله  - ويندزور



كُنْتُ أَتَوَقَعُ هذِهِ النهايَةَ المُذِلَّةَ للرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ وهذا التوقعُ لايَدُّلُ على انني خبيرٌ بالسياسةِ وَأَلاعيبِها وَزَواياها المُظلِمَةِ. كُنْتُ أَرى هذهِ النهايةَ رُغْمَ انَّ كلَّ من التقيتهم كانوا يقولون: أَنَّ دونالد ترامب سيفوز بدورة مقبلة، وان ايران ستسقطُ تحت براثن الضربات الأمريكيّة. كنتُ أَقولُ لهم: انَّ ايرانَ سينهكها الحصارُ ولكنَّها لن تسقط، وان ترامب لن يُجَدَّدَ لهُ في ولايةٍ رئاسيّةٍ ثانيّة. هم اعتمدوا في قراءَتِهم على المعطياتِ والوقائعِ، وأنا اعتمدتُ على البصيرة والرؤية المستقبلية التي تعبُر من المعطيات والوقائع الى المستقبل. اعتمدت في توقعاتي على السنن التأريخيّة والسنن الإلهية التي تحدَّثَ عنها القرآنُ الكريم في النهاية المأساوية للطغاة المصابينَ بالنَّرْجِسِيَّةِ وجنونِ العظمة.
({أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14) } [الفجر ]

 البصيرةُ والرؤيةُ المُستقبليّةُ ضروريةٌ للقادةِ الكبار الذين يستشرفون من خلالها المستقبل ليقودوا أممهم وشعوبهم إلى بَّرِّ أَلأَمانِ، بينما الطغاةُ المتشبثون بالسلطة والموقع لا يرون ابعد من ارنبة انوفهم، يفتقدونَ للرؤية المستقبليّة؛ ولذلك جرّوا الكوارثَ على شعوبهم. وكذلك هي ضروريةٌ لمن يتعاطى التحليلَ السياسيَّ والإجتماعيَّ للأحداث.
 صدّام  الذي لم يكن يرى الا نفسه، لم يملك رؤيةً مستقبليةً، جّرَّ البلدَ الى كوارث وحروب ومآسٍ وويلاتٍ، وكانت نهايتُه مذلةً. أمّا القادة أصحاب البصيرة فلديهم رؤية للمستقبل. على سبيل المثال - حينما شَنَّ صدامُ حربَهُ ضد ايران، قال الإمامُ الخميني (رضوان الله تعالى عليه): (الخير فيما وقع)، هذه بصيرةٌ ورؤيةٌ مستقبليةٌ، في حين أَنَّ كلَّ المعطياتِ، ككونِ ايران في بداية ثورتها، والثورة لم ترسخ جذورها بعد، وهناك نزعات انفصالية تم اثارتُها وتحريكها بوجه الثورة الناشئة. صدام الذي لا يملك رؤية مستقبلية ولابصيرة، تصور ان الأمر سينتهي بأسابيع، والإمام ببصيرته ورؤيته الثاقبة للمستقبل رأى ان الخيرَ فيما وقع. وكان كما قال الإمام الخميني رحمه الله، فاستعادت إيران قوتها في مواجهة التحدي واعتمدت على نفسها في ظل الحرب والحصار الدولي حتى وصلت حد الإكتفاء الذاتي، والأن إيران دولة يحسب لها حساب. توقعاتي لنهاية ترامب؛ لأن خطابه الشعبوي العنصري المضاد للمهاجرين والسود والمرأة ينتهي الى إنسداد كل اﻵفاق. في البداية حرك خطاب ترامب الذي اعتمد الغريزة والتحريض والكراهية وإثارة المشاعر فحشَّدَ له انصاراً وأتى به الى سدة الرئاسة من دون الحاجة الى الخبرة والتاريخ السياسي، ودون الحاجة الى ان يأتي من مؤسسة سياسية. خطاب ترامب إنتهك كل القوانين والإتفاقات الدولية وتجاوز كل قواعد اللعبة وخرج عن المألوفِ؛ فوصل الى هذه النهايات المسدودة. قراءة الحدث السياسي ليست كقراءة الحدث الطبيعي. في قراءة الحدث الطبيعي أنت تستحضر كلَّ عناصرِ الحدث؛ فيسهل التنبؤ بنتيجة الحدث كما في المعادلة الكيميائية (H2+O=H2O) ، فعنصرا الهيدروجين والاوكسيجين موجودان وحاضران ولانتوقع ان يدخل عنصر اخر في الحدث ليغير النتيجة؛ فيسهل التنبُؤ بالنتيجة. امّا في الحدث السياسي والحدث الإجتماعي فقد تبرز عناصرُ اخرى غير متوقعة تغير النتيجة؛ ولذلك نحتاج إلى بصيرة ورؤية للعبور من المعطيات والوقائع إلى المستقبل والنتيجة المتوقعة. ترامب عمَّقَ الإنقسام في المجتمع الأمريكي، وتجاوز على الديمقراطية وحرَّضَ انصارَهُ على غَزوةِ الكونغرس الشبيهةِ بغزوةِ مانهاتن. ترامب جعلّ أمريكا الدولةَ العُظمى دولةً فاشلةً وفق المقاييس التي وضعها نعوم تشومسكي للدولة الفاشلة في كتابه (الدول الفاشلة)، والتي منها، انتهاك الدولة للقوانين والاتفاقات الدوليّة. لو لم تكن امريكا بلدا عريقاً في تقاليده ودستوره وقوانيه؛ لإختزل ترامب البلد كله كما فعل صدام. تجربة ترامب تعلمنا ان الخطاب العنصري الشوفيني والنرجسية المتعالية تؤدي الى آفاقٍ مسدودةٍ تترك بصماتِها واثارَها الكارثيةَ على البلدانِ. هذا ماحدث لهتلر وموسوليني وستالين، وكل المستبدين الذين حملوا خطاباً احادياً إختزل المجتمع والدولة بفرد، وما إنهيار الإتحاد السوفياتي إلا نتيجة هذه الرؤية الأحادية الإختزاليّة التي تؤدي الى طُرُقٍ مسدودة ونهاياتٍ مُغلَقَةٍ. وهذا ما أدت اليه سياساتُ ترامب الاستعلائيةُ. فهل استوعبَ مَن يحكمون شعوبهم بهذه العقليّة هذا الدرس من ترامب ونهايته؟